Thursday, April 1, 2004

البعد الاجتماعي للمشروع النهضوي العربي

منذ مطلع القرن التاسع عشر والنهضة تشغل المفكرين والعلماء . من الطهطاوي ومحمد عبده ورشيد رضا والافغاني .. الى شبلي الشميل ونجيب عازوري وجورج انطونيوس وسواهم ممن حذا حذوهم أو تأثر بهم أو ابتعد عنهم من الاتجاهات الاسلامية الى الاتجاهات العلمانية ، ومن دعوات تقليد الغرب ، الى الانكفاء عنه . ومن التراث الى الحداثة الى الجمع بينهما ... عشرات بل مئات الدراسات والمؤلفات التي حملت هم النهوض العربي منذ مطلع القرن الماضي. ومع ذلك لا تزال كثير من موضوعات هذا النهوض وقضاياه تتكرر وتستعاد الى اليوم .

ثلاث نقاط تستدعي التأمل الى حد القلق في الكتابة مجدداً عن هذا الموضوع :
أولاً : ضرورة الدقة الى أقصى حد ممكن في تحديد البعد الاجتماعي لمشروع النهوض العربي.أي تجنب الاستغراق في عموميات لن تضيف كثيرا"الى      ما يتوقع في هذا المجال . وبالتالي كيف نتعرض الى جوهر ما يمثله هذا   البعد، أو الى أهم ما اثير حوله من قضايا اعتبرها الكثيرون في أساس   مشروع النهوض العربي.
 ثانيا" : ان نتجنب في الوقت نفسه تكرار ما قيل وما كتب عن هذا المشروع في       ظل صعوبة الفصل بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتربوي     والنفسي والثقافي، وهي عوامل يعكس اجتماعها معا" طرائق العيش والتفكير التي تعبّر عن مستوى التقدم أو النهوض عند أي شعب من الشعوب . والأهم من ذلك كله كيف نحدد الأولويات في هذا المشروع فهل هي أولويات       سياسية أم اجتماعية أم تربوية أم تنموية ...لأن مثل هذا التحديد يساعدنا   أيضاً على مغادرة العموميات الى ما هو أكثر تفصيلاً ...
       ثم كيف نستفيد من كل هذا التراث الهائل من أدبيات المشروع النهضوي        منذ قرن الى اليوم الذي عبَرت عنه الاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة من دون أن نكرر ما جاء في تلك الادبيات مرة ثانية وثالثة ...

ثالثاً : التداخل الذي لا يمكن تجاهله أو اهماله بين مشروع النهوض العربي وما        مر به وما أصابه من تعثر وبين أوضاع هذه الأمة الداخلية ، وبين موقعها      الاستراتيجي وثرواتها والعوامل المؤثرة عليها من الخارج والاطماع    المحيطة بها من الدول الكبرى اذ لا ينفصل تشخيص الجوانب الاجتماعية       والسياسية والثقافية عن صدمة العرب الأولى مع الغرب في بداية القرن     التاسع عشر . ولا عن طبيعة السلطة التي استقرت في البلاد العربية بعد       الاستقلال منذ منتصف القرن الماضي. ولا عن الصراع العربي الاسرائيلي        الذي تزامن مع بدايات هذا الاستقلال كما لا ينفصل مسار النهضة ورؤاها      المستقبلية عن تعاقب الافكار والصحوات وتياراتها القومية والإشتراكية والماركسية والاسلامية على امتداد العقود الماضيةحيث أدلى كل تيار      بدلوه وبرؤيته التي أثرت على جيل كامل ، حول قضايا الثقافة والهوية والانتماء ... وحول أولويات النهوض كالوحدة أولاً ، أو الديموقراطية الشعبية والاشتراكية، او اسقاط الدولة القومية،أو التحرر،أو الصراع مع   العدو الصهيوني ...
       وها نحن نضيف اليوم الى كل ما سبق ، والى آثاره التي لا تزال مستمرة، العولمة وتأثيراتها الواسعة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي أصبحت مجالاً خصباً للدراسات والابحاث .أما كيفية الاستجابة لهذه العولمة فهو تحد كبير وخطير من أهم التحديات التي تواجه العرب في حاضرهم ومستقبلهم .
       لو حاولنا أن نلخص اهم العوامل التي يفترض تحقيقها أو انجازها الأخذ بأسباب نهوض الأمة ، فسوف نجدها في النقاط التالية :
1- تحرير الأمة من الاحتلال الصهيوني في فلسطين . وتحريرها من التبعية الغربية ( السياسية، والأمنية،والاقتصادية،والثقافية..) .
2- المحافظة على هويتها الاسلامية ( ثقافياً وحضارياً واجتماعياً ) وحماية هذه الهوية .
3- تحقيق وحدتها
4- التعليم الحديث من خلال التفاعل مع تقنيات العصر والتكيف معها واستخدامها. والتعلم من الغرب الذي سبقنا في مجال العلوم والتكنولوجيا .
5- التنمية الشاملة .
أين يكمن البعد الاجتماعي في هذه العوامل التي أشرنا اليها ؟
هل يقتصر هذا البعد على عامل واحد فقط مثل المحافظة على الهوية وحمايتها ؟ أم يندرج في ثنايا أكثر من عامل مثل التفاعل مع التقنيات الحديثة والتعلم من الغرب ، أو مثل تحرير الأمة من الاحتلال في فلسطين وتداعياته الاجتماعية؟.
       اذن ثمة صعوبة حقيقية ومنهجية في محاولة فصل الاجتماعي عن السياسي والثقافي والاقتصادي . وخصوصاً اذا اتفقنا أن الاجتماعي يلخص كل ما له صلة بالمجتمع وما يجري فيه من علاقات بين الأفراد وبينهم وبين المؤسسات وبين هذه المؤسسات نفسها ، وموقعها من السلطة ، ومن نظام القيم  الى مناهج التفكير التي يؤخذ بها في الجامعات أو في مؤسسات المجتمع الاخرى ...
ولنضرب بعض الأمثلة التي تؤيد ما ذهبنا إليه :
أ- في الربع الأول من القرن الماضي شهد العالم انقساماً بين قطبين ، رأسمالي واشتراكي . كان لهذا الانقسام تداعيات على دول العالم كافة ، لم تستثنى منه دولنا العربية بطبيعة الحال لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الفكري ولا حتى على مستوى مناهج التفكير والبحث في العلوم السياسية والاجتماعية . وتأثرت أفكار النهضة العربية ومشاريعها بهذا الصراع الايديولوجي بين الجبارين. فعمدت بعض الدول العربية على سبيل المثال الى الاشتراكية سبيلاً للتنمية وللتنظيم السياسي وللتنظيم الاجتماعي ، وللتحالفات الاقليمية والدولية . واصبحت الاشتراكية أيضاً مرجعية للتفكير ولحل المشاكل النفسية ، ولتوجيه الشبيبة ولفهم المجتمع وللتدريس في الجامعات ولتقديم التصورات عن العلاقات الاشتراكية وعن الاخلاق الاشتراكية وتلازمت مع هذه المرجعية مصطلحات التقدمية والرجعية . بحيث بات الانتماء الفردي أو الجماعي الى الفكر الاشتراكي وأحزابه ، معياراً للتقدم ، وخلافه معياراً للرجعية .
وتأثر الحديث عن النهضة العربية بذلك، كله فباتت الاشتراكية أيضاً ملازمة لأي تصور نهضوي طيلة حقبتي الخمسينات والستينات .
ب- وقبل بداية الحرب الباردة ،  بالعودة الى مطلع القرن التاسع عشر واجه العرب صدمتين مع الغرب، الأولى صدمة الحداثة . اذ وجدوا فيه قوة التقدم التي ينبغي احتذاؤها في الجيش،والتعليم،والطباعة،والتنوير،والعقلانية،والمناهج البحثية  بحيث اصبح تقليد هذه القوة في كثير من الرؤى العربية سبيلاً للنهضة والتقدم . ومن المعلوم في هذا الاطار أن جامعاتنا لم تفعل منذ تأسيسها قبل نحو نصف قرن سوى تقليد المناهج الدراسية الغربية في المحتوى وفي التفاصيل على حد سواء . وهو تقليد سينعكس على جيل كامل من المتخرجين ومن النخب في نظرتهم الى مجتمعهم والى تشخيص مكامن العلة فيه استناداً الى معايير تلك المناهج التي نشأت في بيئة أخرى غير البيئة العربية –الاسلامية ، كما سنوضح لاحقاً .
أما الصدمة الثانية فهي نقيض الاولى.فهذا الغرب نفسه كان له وجه آخر.وجه الاحتلال وتفتيت الدولة العثمانية وتقسيم الدول العربية ،وتأسيس دولة اسرائيل واذا كان الاحتلال قد رحل والدولة العثمانية قد طويت صفحتها ، فإن ما خلَفه الاحتلال على مستوى التقسيم وتأسيس الكيان العبري لا يزال حيَاً الى اليوم . وبسبب هذه التركة الاستعمارية الثقيلة راوحت اهداف النهضة، لا بل تشتت بين داعٍ الى توحيد الامة أولاً وبين داعٍ الى تحرير اراضيها المحتلة . بالاضافة طبعاً الى دعاة الأخذ بالاسباب التي تقدم بها الغرب في انماط عيشنا وعلاقاتنا العائلية والاجتماعية ، وتفكيرنا، قياساًً الى النموذج الغربي وتأسياً به وتقليداً له .
        وبسبب هذه الصدمات ، ومعها عوامل اخرى كثيرة تشكلت على سبيل المثال صورتنا عن أنفسنا وعن الآخر . فالآخر في أغلب الأحيان هو الغرب المتفوق ، أو العدو المتربص .أما صورتنا فهي نقيض ذلك حتى أننا نتحمل أيضاً ، كما ذهب الكثيرون ، مسؤولية الصورة التي صنعها الغرب عنا .( كما قيل خصوصاً بعد الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 . وكما دعا البعض في اوساط رسمية وفكرية الى مشروع إعلامي لتغيير هذه الصورة !! ) بحيث تحول هدف النهضة  في منظور معظم من اهتم به ، مشروعاً لاستبدال الصور ، أي صورتنا بصورة الآخر (الغرب) المتفوق والمتقدموبحيث اصبح التخلف تخلفاً عن النموذج ، وهكذا صارت النهضة مشروعاً مقارناً لا مشروعاً من الداخل . والآخر هنا غير متنوع ،إنه واحد،هوالغرب فقط .( وليس الصين أو اليابان على سبيل المثال ..) انها بمعنى آخر استعادة رؤية الغرب لنفسه .
       هذا المشروع النهضوي المقارن(وغير المعلن) نلحظه في كثير من الادبيات التي تناولت النهضة وسبلها . وسنشير الى ذلك فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي الذي يهمنا .
       يقول محمد جابر الانصاري متحدثاً عن العلل الاجتماعية ذات الصلة بالتخلف الذي يعيشه العرب :
"... اذا كان خطاب مطلع القرن قد نبه الى العلل الثلاث المتمثلة تبسيطاً واختزالاً و تعميماً ، في الجهل والفقر والمرض كعوائق أساسية لانطلاق العرب في العصر الحديث ، فإن الخطاب الجديد لا بد أن يذكّر بعلل ثلاث أكثر خطورة وأعمق أثراً غابت عن رؤية اصحاب الخطاب القديم الذين أخذوا تلك العناوين العامة دون النفاذ الى جذورها في تركيبة وبنية الواقع الشامل . هذه العلل الثلاث الخطيرة تتلخص لدى العرب في ثلاثة أنواع مترابطة من التخلف :
أولاً : التخلف المجتمعي المؤدي الى تخلف العمل السياسي وتقليص القدرة      الانتاجية .
ثانيا" : التخلف الذهني المؤدي الى تخلف الفكر والثقافة والابداع العلمي .
ثالثا" : التخلف الاخلاقي المؤدي الى تخلف المسلكيات في التعامل العام والقيم   المدنية
أما سبب التخلف المجتمعي فمرده ، كما يرى الانصاري ، الى تكلس البنى المجتمعية التقليدية العربية من عشائر وطوائف وبواد وقرى وارياف . ان قشور التحديث على السطح مع بقاء تلك البنى دون إذابة حقيقية في إطار المجتمع المدني والمجتمع الوطني (!) ، بوسائل التنمية الشاملة ... من شأنه أن يؤدي الى استمرار تجميد طاقات الانسان العربي والمجتمع العربي والمرأة العربية في بوتقة تلك البنى القرابية المتخلفة ... وما لم يتم تذويب هذه " البنى التحتية " من جانب الحكومات والمؤسسات و الحركات السياسية ودعاة الاصلاح والتغيير على اختلاف توجهاتهم الايديولوجية ، فإن محاولاتهم هذه ستبوء بالفشل لأن هذه البنية التاريخية الانحطاطية ستعيد انتاج ذاتها انساناً وتنظيماً وسلوكاً وفكراً ... وعلى الحكام العرب ومختلف حركات الاصلاح والتغيير من اسلاميين وعلمانيين وقوميين ووطنيين وليبراليين،أن يدركوا أن أمامهم مهمة تاريخية مشتركة في هذه المرحلة . وهي العمل جميعاً في جبهة وطنية متحدة من أجل إقامة المجتمع المدني والمجتمع الوطني (!) من خلال تذويب تلك البنى التقليدية المتخلفة التي ستقاوم المبادئ الاسلامية الصحيحة كما قاومت المبادئ التقدمية والليبرالية .
       ثم يعود الانصاري ليؤكد : ما لم تتغير تلك البنية العصبوية في القاع السوسيولوجي الى مجتمع مدني يستند الى مبدأ المواطنية العامة ، عبر عملية تنمية ونهضة شاملة ، فإن أياً من تلك المشروعات التغييرية لن تتحقق ...
        وينبغي ، بالنسبة اليه ، أن يكون واضحاً ، " أن أية مواجهة فاعلة ومثمرة ضد الصهيونية والامبريالية لن تتحقق غايتها ، بل قد تتحول الى كارثة جديدة ، اذا لم يتوفر الحد الادنى من هذا البناء المجتمعي والسياسي والذهني اللازم ...
       أما في التخلف العقلي/العلمي ، " ... فهو نتاج تاريخي انحطاطي مرت عليه قرون طويلة من التجمد الثقافي والفكري سادت خلالها حرفية النص على حركية العقل المجتهد .... ولا بد هنا من التنبيه أن استبداد الجماعة في تقاليدها ومسلكياتها الاجتماعية والذهنية أخطر من استبداد الفرد ، حتى لو كان حاكماً . فدكتاتورية الجماعة هي أبشع أنواع الديكتاتوريات وهي المولدة والداعمة والحامية للدكتاتورية السياسية وغيرها ...(1)
       لكن الانصاري ينهي بحثه ( ص 339- 340 ) بالحديث عن تحسن وتطور تشهده المجتمعات العربية ، " يجب عدم التقليل من أهميته التراكمية ... " فيذكر المغرب الذي " حقق انعطافاً لافتاً في مسيرة التطور الديموقراطي والتداول السياسي .. وفي الجزيرة العربية تحقق العربية السعودية تقدماً متوازناً على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية يؤشر الى تحولات مقبلة أكثر تقدما" ... وهو تفاؤل ينطبق على عُمان ... وعلى بقية بلدان الخليج العربية بدرجة أو بأخرى .. ولعل فيما تقدمه اليوم تجربة البحرين في التحديث الديموقراطي الشامل للتنظيم والمؤسسات ، والحياة الدستورية والنيابية ، ما يشير الى الامكانات الكامنة لدى القيادات العربية الشابة وقوى المجتمع المدني...وفي تونس ... فإن منجزات التقدم الاجتماعي وبخاصة ما يتعلق منها بحقوق المرأة وتنظيم الاسرة ، استطاعت أن تنغرس في العمق السوسيولوجي والقانوني للمجتمع التونسي بما يمثل انعطافاً تاريخياً لا يمكن تجاهله ... "
يمكن أن يتلخص النص الذي يقدمه الانصاري على الشكل التالي :
أ- الدعوة الى تذويب البنية المجتمعية التقليدية من عشائر وطوائف وبواد وقرى وأرياف في اطار المجتمع المدني .
ب- أي تغيير لن يحصل و أي نهضة شاملة لن تتحقق ما لم يتم بناء هذا المجتمع المدني .
ج- أي مواجهة فاعلة ضد الصهيونية والامبريالية لن تحقق غايتها اذا لم يتوفر الحد الادنى من هذا البناء المجتمعي .
د- المملكة السعودية والبحرين وعمان وتونس حقت تقدماً على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ...بما يمثل انعطافاً تاريخياً لا يمكن تجاهله
لنقرأ نصا" آخر ، خول علاقة هذا البعد الاجتماعي بمشروع النهوض العربي :
يرى هشام شرابي أن المشروع الذي نصنعه الآن يبرز على شكل خطاب تنويري هدفه تكوين رؤية متكاملة تجمع بين قضايا مختلفة , في مقدمتها اشكاليات المجتمع و الدولة ,و قضية المرأة و الديمقراطية و حقوق الانسان و العدالة الاجتماعية.
و من هذا المنطلق ,لا يعود الفكر التنويري , بالنسبة الى شرابي , مجرد فكر معرفي ,بل عملية تحررية تتجسد في أنماط الوعي و الممارسة الاجتماعية تمكن المجتمع من الانتقال مما دعاه فيلسوف التنوير عمانوئيل كانت "حالة الطفولة" و الاعتماد , الى حالة "النضج" و الاستقلال الذاتي , اي من حالة لا يملك فيها المجتمع سلطته الذاتية (العقل) بل يكون خاضعاً لسلطة خارجة عنه (الدين,الميتافيزيقيا).يقول كانت ان المجتمع يكون في حالة الطفولة الساذجة عندما يعتمد النص الغيبي بدل الفهم الذاتي, و عندما يستبدل الضمير الخاص بسلطة"روحية".

من هنا كان المشروع النهضوي الجديد بالضرورة مشروعاً سياسياً يرمي في اولوياته ,الى اصلاح الدولة و تحديث المجتمع و تحرير المرأة .أما الواقع العربي اليوم ,فان ما يحكمه في عملية التغيير ليست ارادة المجتمع الذاتية_بل نظامان خارج ارادة المجتمع ,نظام السوق الرأسمالي الحر (العولمة) و النظام الأبوي (والأبوية المستحدثة).

و لكن من سيقف بوجه هذين النظامين لاحداث التغيير الاجتماعي:
انها" الحركات الاجتماعية الجديدة " يقول شرابي ,مستعيداً التسمية التي استخدمها
عالم الاجتماع الفرنسي الآن تورين، الذي يقول ان زمن الأحزاب السياسية والتقليدية و الحركات الايديولوجية قد انتهى وان "تجمعات" سياسية و ثقافية قد حلت محلها. مثل التجمعات الشعبية التي تمكنت في اواخر الثمانينات و أوائل التسعينيات من اسقاط الانظمة الشيوعية في دول أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفياتي دون تنظيم مسبق ودون اللجوء الى العنف ..وميزت هذه الحركات ثلاث صفات : غياب الايديولوجية الموحدة , غياب القيادة المركزية , وتغلب التعددية التي جمعت بين فئات الشعب المختلفة (سياسياً و اجتماعياً) و ضمت الطلاب و العمال و النساء و جماعات كبيرة من بيروقراطية الدولة,والحزب الحاكم...
اما في أقطار العالم العربي , حتى في الأقطار الاكثر" نضوجا " يلعب ما تبقى من الاحزاب التقليدية والاتحادات العمالية والطلابية دوراً محدوداً وهامشياً في الحياة السياسية , إذ ما زال النظام الابوي . بوجهيه الاجتماعي والسياسي ,هو اللاعب المهيمن في المجتمع وفي الحياة السياسية...
من هنا يقول شرابي "ان رأس الحربة في عملية انتاج المشروع النهضوي العربي وفي عملية التغيير والاصلاح في السنوات القادمة ... هي تلك التي يشكلها تحالف طلائع المثقفين الملتزمين , والنخب النسائية, بالاضافة الى حركة الشبيبة الناشطة في قضايا البيئة وحقوق الانسان والمجتمع المدني
     اذا" المطلوب بالنسبة الى شرابي :
- انتقال المجتمعات العربية من سلطة الدين الى سلطة العقل
- اولويات مشروع النهوض العربي هي : إصلاح الدولة وتحديث المجتمع    وتحرير المرأة .
- الواقع العربي محكوم اليوم بنظامين خارج ارادة المجتمع,العولمة والنظام الابوي .
   - إن رأس الحربة في عملية انتاج المشروع النهضوي العربي وفي عملية   التغيير , هي تحالف المثقفين والنخب النسائية , وحركة الشبيبة الناشطة في
      قضايا البيئة وحقوق الانسان والمجتمع المدني .
بينما يذهب د.حليم بركات (3)  الى ان ما يضاعف من حدة أزمة المجتمع المدني في علاقته بالدولة , ان عمليات الترهيب والترغيب نفسها تمارس على الانسان من قبل مختلف المؤسسات الاجتماعية وفي طليعتها مؤسسات العائلة والدين والاقتصاد والتربية .(ص 924)وان ازمة المجتمع المدني هي في صميم النكبات العربية وفشل مشاريع النهضة (ص 924) . وأن على المؤسسات الحديثة (كالنقابات والاحزاب والهيئات المدنية) ان تعمل على تجاوز الولاءات التقليدية وتعزيز تلاحم المجتمع (ص927).
وفي رأي كريم مروة (4) "ثمة اهمية فائقة من اجل استمرار حركة النهضة والتواصل مع شعاراتها... لقيام احزاب تتبنى فكراً علمياً متقدماً . فكراً يتعارض في كثير من أسسه ومبادئه مع ما كان سائداً من افكار وتقاليد راسخة في الوعي والوجدان والسلوك مصدرها المؤسسات الدينية المحافظة". (ص 34)
تمثل هذه العينة من الارآء اتجاها قوياً ومهماً بين التيارات الفكرية العربية في رؤيتها لقضية النهضة .كما تتقاطع عند نظرتها للتحديث الاجتماعي الذي يعيق هذه النهضة آراء الكثير من المفكرين والباحثين . ويتلخص جوهر هذا التحديث او النباء الاجتماعي المطلوب،في منظور ما سبق واشرنا اليه بالقضايا التالية :
- تحرير المرأة
- التخلص من سيطرة المؤسسة العائلية ( السلطة الابوية )
- التخلص من سيطرة المؤسسات الدينية
- ايجاد مجتمع مدني بديلا من الولاءات التقليدية .
 تحتاج كل واحدة من هذه القضايا الى نقاش واسع ومستفيض.إبتداء" من مرجعية المنهجية الفكرية التي جعلت من هذه القضايا قبل سواها او دون سواها مدخلا لتحقيق النهوض العربي .وصولا" الى طرح الاسئلة الجدية حول معنى تحرير المرأة مثلا"، وحول البدائل المطروحة أو المفترضة بعد التخلص من سيطرة المؤسستين الدينية والعائلية الابوية .وحول تعريف المجتمع المدني ودوره , وحول علاقة الدولة بالمجتمع......وغير ذلك مما ينبغي ان تثيره هذه القضايا من اسئلة مفتوحة ...
فهل هذا التشخيص لمكامن الداء الإجتماعي الذي يعرقل النهوض العربي صحيح وفقاً للمقولات السابقة ؟
إسمحوا لي ان اتحدث عن منهجية البحث التي أفضت الى هذا النوع من التشخيص.  وأهمية هذه المنهجية وخطورتها , اننا نصادفها ايضاً في جامعاتنا , لا بل هي المنهجية المسيطرة التي يتعلم الطلاب بواسطتها العلوم الاجتماعية , يعني كيف ندرس مجتمعاتنا وكيف نفهم ما يجري فيها وكيف نقترح الحلول لمعضلاتها.
وتقوم هذه المنهجية العلمية , وهي منهجية غربية،على "الاستقراء والملاحظة والموضوعية على ان تخلو من اي جانب أخلاقي او بيولوجي او فلسفي اي انها منهجية محايدة في رؤية الواقع" .
الا ان المشكلة التي سنشير اليها لا تتعلق بقضية الموقف من الغرب وعلومه بل بقضية حيادية هذه العلوم التي انتجت في الغرب على المستوى القيمي والتي ندرسها كحقائق علمية موضوعية فإذا اتخذ عالم الاجتماع او عالم الاقتصاد الغربي الفرد بدلا من الاسرة كوحدة لدراساته،على سبيل المثال، افلا يكون قد اتخذ موقفاً قيمياً قد نقبله وقد نرفضه ؟ (5)وإذا اتخذت"التربية الحديثة" المدرسة بدلا" من الاسرة مرجعية للعملية التربوية، افلا نكون قد اصبحنا في إطار نموذج حضاري محدد، (تراجع فيه الدور الأسري في الحياة الاجتماعيةوعندما تقول النظريات الاقتصادية الغربية ان هدف المستهلك هو تعظيم الاشباع او المنفعة .. وأن ماهية هذا الإشباع هو ما يقرر المستهلك انه يريده أليس معنى ذلك الترويج لمبدأ الفردية , ولما سينجم عنها من إباحة بحيث يصبح كل ما يرغب فيه المستهلك على المستويات كافة مشروعاً ومبررا"،من دون التساؤل عن قيمته الاخلاقية ؟(ص 237)  اليس هذا التعظيم للاشباع وللمنفعة الفردية هو مصدر ما نشهده اليوم من قيم "الأسرع يلتهم الابطأ " بعدما سادت قبلها قيم " الاكبر يلتهم الاصغر". اوليست هذه القيم هي ايضاً خلف ما نشهده من تشريع لكل انواع السلوك واللذة (الشذوذ) ،بذريعة المنفعة الفردية والاشباع ,( الذي لا يحقّ للمجتمع الاعتراض عليه !!.)
وعندما تتحدث هذه العلوم عن العقلانية في مواجهة النص الديني , فأنها تستحضر النموذج الغربي الذي واجه صراعاً محموماً بين الاثنين انتهى بغلبة الأول وانكفاء الثاني وتهميش لمؤسساته.وهو ما بشّر بعصر النهضة الاوروبية . وعندما تركز الاهتمام على الفرد في علم السياسة من ضمن العلوم الاجتماعية , فإن ذلك لم يكن على حساب الدولة . بل في صلته بها،وموقفه منها،وتفاعله معها.  ولم يوضع الفرد فلسفياً او منهجياً في مقابل الدولة (6) .. وهي المرحلة التي تنامى فيها دور الدولة منذ القرن السابع عشر الى الحرب العالمية الاولى، وما نجم عنها من ازمات إقتصادية وإجتماعية عمّت اوروبا في الثلاثينات ما جعل الدول الصناعية توسع مهام الدولة وتحملها اعباء الخدمات العامة( دولة الرعاية الشاملة ) (7)
وصاحب هذا التوسيع لدور الدولة فقدان تدريجي لدور الاسرة في الرعاية الاجتماعية ,
حيث تولت هذا الدور المدارس والمؤسسات الاجتماعية , كما فقدت دورها في الرعاية الصحية وفي رعاية كبار السن ... وفي التوجيه النفسي حيث تولى هذه المهمة الخبراء النفسيون والتربويون....(هبة رؤوف عزت ص 121)
وعندما تراجع دور الدولة " ولم تعد هي اللاعب الوحيد في الساحة , بل لابد ان يشاركها "لاعبان آخران هما القطاع الخاص والمجتمع المدني "(8) ،وعلى الرغم من عدم إستقرار هذا المفهوم الاخير , والغموض الذي يحيط به , بدأت الدراسات في العلوم الاجتماعية , ثم في مشاريع النهضة لاحقاً تستدرك ما فاتها من ضرورة وجود المجتمع المدني في بلادنا الذي ينبغي ان يخلف البني التقليدية (العائلية والدينية) التي تتحمل وفقاً لهذه الدراسات وتلك المشاريع " مسؤولية التخلف الذي وصلنا اليه والنهوض الذي لم نتمكن من تحقيقه " .
ومع تنامي وتبلور إتجاه الخصومة الفكري والعلمي والاجتماعي مع الدين في الغرب،اصبحت ظاهرة "نزع القداسة" عن كل شيء , وإعادة النظر والتشكيك والتفكيك والتحليل منهجاً رائجاً في  العلوم الاجتماعيةولم  تكن  الاسرة  بطبيعة  الحال بمعزل عن "نزع القداسة " هذه فأصبحت ثمرة تطور تاريخي ويمكن إعلان  موتها" (9)
 إعادة النظر هذه في وجود الاسرة ووظائفها التاريخية وادوارها التربوية في التجربة الحضارية الغربية، هي التي سوغت لهذه التجربة اليوم تشريع ما تسميه "كل اشكال الاسرة " بما في ذلك الأسرة المكونة من الجنس نفسه .او الاسرة التي تنجب اطفالها خارج العلاقة الزوجية ونحن نذكر كيف حاول مؤتمر السكان الذي عقدته  الامم المتحدة في القاهرة قبل سنوات تسويق فكرة "كل اشكال الاسرة" التي وقف الفاتيكان والدول الاسلامية ضدها بقوة بهذا المعنى ان الدعوات الى تحرير المرأة مهما غلفت بشعارات إنسانية وبراقة , تستبطن تحريرها من الاسرة التي تعيش في كنف ضوابطها ورعايتها . وتستبطن قطع صلتها الحميمة الخاصة مع عاطفتها ومع جسدها،لتصبح هذه العاطفة وهذا الجسد شأنا عاما" ومشهدا" عاما" تراه في كل مكانأما الدعوة الى التخلص من السلطة الابوية ,فهي دعوة الى تفكيك النظام الاسري الذي تعرفه ثقافتنا،من دون ان يقال لنا ما هو البديل الافضل عن هذا النظام وعن هذه الاسرة .  وعندما يصبح الهدف إيجاد مجتمع مدني بديلا من الولاءات التقليدية , فإن ما يطلب التخلص منه هو الولاء الأسري ومعه الولاء الديني وهذا يعني شيئاً واحدا: إستعادة خبرة الغرب التاريخية في حقل مختلف تماماً , يلعب الدين والاسرة فيه دوراً قويا في بنية العلاقات الاجتماعية وحتى في محتوى الهوية الثقافية حتى هذا التعظيم لدور المجتمع المدني بعدما ساد تعظيم دور الدولة بين الخمسينيات والسبعينيات ودعوة هذا المجتمع الى ادوار إقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية يقفز عن الدور الذي لعبه
هذا المجتمع في التجربة التاريخية العربية الاسلامية الذي مثلته مؤسسة الوقف بشكل بارز والمؤسسات الاخرى , الاجتماعية والدينية التي حافظ المجتمع الاهلي بواسطتها على إستقلاله عن الدولة . " فمعظم دور العلم التي تأسست في القرن الرابع الهجري على سبيل المثال الذي يصفه آدم ميتز  بعصر النهضة في الإسلام، ثم المستشفيات والمدارس التي تأسست في العهد السلجوقي وحكم آل زنكي والأيوبيين في المشرق، قامت بشكل اساسي على الاوقات .. ثم ان مئات المؤسسات الاجتماعية والدينية كالمدارس والجوامع والخوانق والزوايا والتكايا والمستشفيات انما نشأت واستمرت بفعل الدعم الذي أمنته مؤسسة الوقف " (10) 
واذا كان الدور التاريخي للاوقاف قد تراجع أو اصبح في قبضة السلطة الرسمية فإن الكثير من المؤسسات الحالية الطبية والثقافية والاجتماعية والرعائية (للأيتام والشهداء والمعوزين) التي تعمل في بلدان عربية واسلامية عدة لا تزال تستمد مصادرها المالية من الحقوق الشرعية من الزكاة والخمس والتبرعات ... وهي مؤسسات شكلت حماية للمجتمع الأهلي في أوقات كثيرة ، وخصوصاً في أوقات الحرب ،أو في أثناء النكبات فهل يعقل أن يبدأ التفكير النهضوي بالدعوة الى القضاء على هذه المؤسسات وعلى نظام العلاقات الاجتماعية والدينية والعائلية الذي انتجها .حتى قبل أن يكون لدينا دولة قوية وعادلة وقادرة على تأمين التعليم وضمان الشيخوخة ومواجهة النكبات والمصائب والأزمات والحروب ؟ وما أكثرها في وطننا العربي !!
 ولا يعني ذلك أن كل ما ترسخ في مجتمعاتنا من مؤسسات تقليدية يستحق التشبث به والدفاع عنه ، بل يعني ذلك أن المؤسسة الاجتماعية الغربية الحديثة التي  تعتبر نموذجا "للتصدير" تحتاج الى دراسة دقيقة من حيث نشأنها التاريخية والشروط التي رافقت تكونها , والادوار التي قامت بها , وطبيعة السلطة التي رافقتها وسمحت بوجودها ... كما يعني ذلك بالمقابل قراءة صحيحة ومنصفة لمؤسساتنا وروابطنا التقليدية الدينية والعائلية والعشائرية لمعرفة الادوار الايجابية التي لعبتها فنقوم بالمحافظة عليها ونطورها ونتخلص مما حملته من موروث الانحطاط من جمود، ومن الاستعمار، والتحديث المشوه .

    ومثل هذه القراءة للتجربتين , ولتجارب اخرى ( في الصين او اليابان على سبيل المثال) هي خطوة أصيلة في طريق التغيير نحو مشروع النهوض العربي .  اود في النهاية ان اتوقف عند نقطتين اراهما مهمتين :
الاولى : هي روح النهضة . فالاتفاق بين معظم الباحثين عن هذه النهضة يكاد يتلخص بمجموعة من القيم والمبادىء : هي" قيم الارادة الحرة وحق الاختيار،وقيم العقل، والمضمون والمعنى وقيم التحرر في سبيل السيطرة على واقعنا وتغييره ، والابداع والابتكار والتفرد والتجدد والريادة والخروج من المألوف والتحديث والتخطيط والانفتاح، والقيم الاجتماعية النسبية غير المطلقة وقيم التمرد والتحرر في صراعها مع قيم الطاعة والامتثال ..." (حليم بركات ص947-948)وهي ايضاً توفير الصحة والغذاء ... والمشاركة السياسية والحرية الشخصية... وبناء الانسان السليم البدن والعقل، المتعلم والقادر على التعلم , الذي يألف حديث العلم وحكم المنطق ودور العقل .. وهو الذي يستطيع ان يبني امة تزدهر في القرن الحادي والعشرين .." (11)   وهذا ما لا يجادل أحد في اهميته وضرورته . ولكن السؤال الذي يطرح ما هو جوهر التمايز بيننا وبين الغرب في هذه المسألة ؟ أي ماذا بعد ان يتحقق ذلك كله ؟ الم تنجز التجربة الحضارية الغربية هذه الشروط كلها ثم وصلت الى ما تشهده وتعترف به هي من ازمة إنسانية واخلاقية حادة في داخلها , والى عولمة متوحشة في خارجها ؟ الم تفقد نهضة الغرب بهذا المعنى روحها وانسانيتها ؟ أي كيف نتجنب الوقوع في الفخ نفسه؟
   النقطة الثانية : هي موقع البعد الاجتاعي في اولويات النهضة , في ظل ما تشهده  هذه الامة من ضغوط خارجية متلاحقة وعنيفة لم تتوقف . أي هل ان مهمة الأمة اليوم هي مواجهة ما يجري في فلسطين اولا , وما سيجري بعد فلسطين ثانياً ام التصدي أولا"" لتغيير ما يسمه البعض " القاع السوسيولوجي" لمجتمعاتنا ؟ والمقصود بهذا القاع المؤسسات التقليدية العائلية والدينية بالدرجة الاولى ؟
   اننا نعتقد ان الأمة ومنذ عقود لا تزال في مرحلة الدفاع عن وجودها وعن هويتها وعن ثرواتها بأشكال متفاوتة من المقاومة تتقدم حينا" وتتراجع حينا" آخر.إلا أن هذه الأمة  لم تسقط .ولو سقطت لما شهدنا ما يجري اليوم في فلسطين ،ولا ما جرى قبل ذلك في لبنانوهذا يعني أن نبحث بحثا" جديا" وأساسيا" عن عناصر الصمود في هذه الأمة وعن مايمكن أن نسميه "نظام المناعة "فيهاتماما" مثلما نبحث ونكتب بغزارة عن نقاط الضعف والتخلف وأن ندرس بعد ذلك كيف نعزز هذا النظام،وكيف نعمل على تطويره وحمايته،بدلا" من الدعوة الى شق المجتمع  الذي حال دون هذا السقوط , او الى تدمير البنى او العلاقات التي نظمت شؤون الناس عشرات السنين.حتى قبل أن يبزغ فجر المجتمع المدني،وقبل أن تتشكل "الحركات الاجتماعية الجديدة" التي ستنشط في قضايا البيئة وحقوق الانسان والمجتمع المدنيوالسؤال هو ماذا نفعل بانتظار أن يكتمل عقد هذه الحركات وذلك المجتمع؟ وكم من الوقت سننتظر حتى تبصر النور وتلعب ادوارها؟ وما الذي يضمن أن هذه الحركات ستؤمن بوحدة الأمة أو بهويتها؟
إننا نعتقد أن هذه البنى والمؤسسات (العائلية والدينية) التي يسميها البعض تقليدية، هي جزء أساسي من نظام المناعة الذي تحتمي به هذه الأمة وهي لذلك تستحق أن ندرس الأسباب التي أدت الى تخلف بعض أدوارها في مراحل معينةونحن لا نعتقد ان هذه البنى والمؤسسات، مهما قيل في نقدها،هي المسؤولة عن الهزائم , ولا عن الاستبداد , ولا عن غياب الديمقراطية . هذه المؤسسات ينبغي ان نتصالح معها حتى نتمكن من اصلاح ما فيها، بدل أن ندعو أو نعمل الى تدميرها واجتثاث جذورها.ويكفي هذه المؤسسات "التقليدية"، انها كانت ولا تزال الى اليوم, في طليعة من يقدم الشهداء دفاعا عن وحدة هذه الامة وعن استقلالها
                                                           

                                                  د. طلال عتريسي       

                                                 نيسان/ابريل 2002           
                                                        

                           مراجع

1-           محمد جابر الانصاري، في "نحو مشروع حضاري نهضوي عربي" مركز دراسات الوحدة العربيةبيروت،الطبعة الأولى 2001 (ص 323-340)
2-            هشام شرابي، المرجع السابق (ص953-956)
3-            حليم بركات،"المجتمع العربي في القرن العشرين"،بحث في تغير الأحوال والعلاقات مركز دراسات الوحدة العربيةبيروت، الطبعة الأولى 2000
4-            كريم مروة ، "تجديد الاشتراكية فكرا" ومشروعا"، مجلة الطريق العدد السادس 1998
5-            جلال أمين ،"بعض مظاهر التبعية الفكرية في الدراسات الاجتماعية في العالم الثالث" في "إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي"مجموعة من المؤلفين، دار التنوير بيروت،الطبعة الأولى 1984
6-            هبة رؤوف عزت، "الأسرة والدولة"، في مجلة قضايا إسلامية معاصرة ،العدد الثاني 1998
7-            l’Etat dans un monde en mutation,Rapport sur le developpement dans le monde  1997,Banque  Mondiale,Washington
8-            حازم الببلاوي "النظام الاقتصادي الدولي المعاصر"من نهاية الحرب العالمية الثانية الى نهاية الحرب الباردة سلسلة عالم المعرفة عدد 257/2000
9-            ]David cooper, Mort de la famille. Edition Du Seuil,Paris 1972
10-       وجيه كوثراني،"مشروع النهوض العربي أو أزمة الانتقال من الاجتماع السلطاني الى الاجتماع الوطني" دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى،1995  وكذلك مقالته " المجتمع المدني بين الذاكرة التاريخية الاسلامية والتحديات الحضارية المعاصرة"، في مجلة المنطلق عدد 121، خريف وشتاء 1998-1999
11-       اسماعيل صبري عبد الله "نحو نهضة عربية ثانية، الضرورة والمتطلبات " في "قضايا التنوير والنهضة في الفكر العربي المعاصر" مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، الطبعة الأولى 1999

No comments:

Post a Comment