Friday, January 16, 2009

ايران- فلسطين 2008

كان عام 2008 هو عام قطاع غزة من دون منازع.وهو عام التضامن الشعبي العربي والاسلامي والدولي مع فلسطين من خلال ما جرى للقطاع.
 
فقد بدأ العام بحصار سياسي واقتصادي وتمويني اسرائيلي لغزة واهلها وقواها السياسية خاصة حركة حماس بعد سيطرتها على القطاع منذ عام 2007 ،لينتهي بحرب وحشية حصدت منذ ايامها الاولى مئات الشهداء معظمهم من الاطفال والنساء. هكذا باتت غزة طوال عام 2008 قضية مركزية تدور حولها ومن خلال الحرب الدائرة عليها  ملفات التفاوض الفلسطينية –الاسرائيلية ومستقبل المواجهات الاقليمية والدولية.
ما جرى في غزة أدى الى تبادل الاتهامات بشأن مسؤولية الحصار الذي تعرضت له ولاحقا" بشأن الحرب التي شنت عليها. وقد عكست هذه المواقف وتلك الاتهامات ما كان معلوما" من سياسات بعض الدول العربية والاقليمية وكشفت من جهة اخرى ما وصلت اليه سياسات دول اخرى في قضيتي الحصار والحرب. 
كانت ايران منذ ايام الحصار الاولي قد اتخذت المواقف المنددة، وكان الامر طبيعيا" في اطار سياسات ايران المعلنة والرسمية المعادية لاسرائيل والمؤيدة لحركة حماس خاصة ولحركة المقاومة ضد اسرائيل عامة.فهاهو الرئيس أحمدي نجاد يرد على التهديدا ت الاسرائيلية باغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية، باتهام النظام الاسرائيلي بممارسة الارهاب.وينطلق من هذا الموقف ليدين الدول الغربية وادعياء حقوق الانسان واصحاب الشعارات التي تنادي بالحرية ...والتي "تلتزم الصمت وهي تسمع تهديدات اسرائيلية بحق رئيس حكومة انتخب بشكل ديمقراطي..."(الخليج الاماراتية 3/1/2008).ولم يتردد الرئيس الايراني في معظم المناسبات التي تحدث فيها عن اسرائيل وعن القضية الفلسطينية من تكرار مواقفه نفسها التي يؤكد فيها ان "كيان اسرائيل فقد فلسفة وجوده" وأن "دعم الفلسطينيين واجب ديني"،كما قال "ان الصهاينة لن يجنوا شيئا"من وراء اعمالهم الاجرامية وعليهم الخضوع لارادة الشعب الفلسطيني" ،الذي دعاه احمدي نجاد الى "الصبر والتوكل على الله".(البيان الاماراتية 18/1/2008). وما كان يقصده الرئيس الايراني من اعمال اجرامية هو الحصار من جهة وعمليات القصف والاغتيالات التي لم تتوقف على غزة من جهة ثانية. فالحصار ادى الى مأساة انسانية في المجالات الطبية والغذائية (نحو 80 حالة وفاة في مطلع عام 2008) والغارات ادت الى استشهاد نحو 40 فلسطينيا"، والحصار ادى الى اغلاق 3500 مؤسسة صناعية وتجارية وحرفية والى تدمير قطاعات انتاجية اخرى والى خسائر فادحة لاصحابها .كان من الصعب تجاهل هذا الحصار الذي أخذ يتفاقم يوما" بعد آخر منذ منتصف عام 2007 .فخرجت في شهر كانون الثاني/يناير 2008 مسيرات احتجاج في اكثر من بلد من البلدان العربية : في اليمن وفي الاردن وفي مصر ...تندد بالحصار وبالاعتداءات التي تتعرض لها غزة ومن يعيش فيها .كان الحصار بالنسبة الى المسؤولين الايرانيين فرصة للتأكيد على مواقفهم من الكيان الصهيوني.فالرئيس أحمدي نجاد يدعو الغرب الى "تقبل فكرة انتهاء حياة الصهيونية عاجلا" أو آجلا".ونصح الدول الغربية بالتخلي عن الكيان الصهيوني الذي انتهى"...وأن الذين يدعمون الصهاينة المجرمين يجب ان يعرفوا ان ايام المحتل معدودة."(الوطن/السعودية/31/1/2008) .في حين نسبت وكالة الانباء الايرانية الى مساعد وزير الخارجية في شؤون التدريب والابحاث منوشهر محمدي تأكيده"على عدم ايجاد دولتين في فلسطين وان المجتمع الدولي ليس امامه خيار الا استمرار جرائم الكيان الصهيوني أو القبول بالاستفتاء.ووصف محمدي "التطورات والانتهاكات الصهيونية في فلسطين بأنها أهم حادث في الشرق الاوسط والامة الاسلامية والعالم"(وكالة معا" الاخبارية 29/1/2008). في حين أكد وزير الدفاع الايراني العميد مصطفى نجار "أن الجرائم التي ترتكبها اسرائيل في غزة في ظل الدعم الاميركي والصمت العالمي المطبق تشكل مصداقا" بارزا" لازدواجية المعايير لدى الاسرة الدولية"(الخليج الاماراتية9/1/2008).
مع استمرار الحصار وتفاقم الازمة الانسانية في قطاع غزة تطورت المواقف الايرانية :فبدأ التركيز على ما ترتكبه القوات الصهيونية من مجازر بحق الشعب الفلسطيني ،ثم تكررت المواقف بشأن زوال اسرائيل، والدعوة الى الاستفتاء لتقرير مصير فلسطين والشعب الفلسطيني ردا" على الدعوات الى الدولة اليهودية.ثم انتقل الاحتجاج على الحصار الى الدعوة الى كسره ،ثم الى اتهام الولايات المتحدة بالتواطؤ مع اسرائيل في قتل الفلسطينيين ،وصولا" الى دعوة مصر الى التعاون لتقديم المساعدات الى الفلسطينيين قبل ان تعود ايران الى اتهامها بالتواطؤ مع اسرائيل في الحصار على غزة.وقد تسبب هذا الاتهام في عودة التوتر الى العلاقات الايرانية المصرية،التي لا تزال الى اليوم تفتقد التبادل الديبلوماسي بين البلدين خلافا" لكل الدول العربية الاخرى.وسيستمر تبادل الاتهام بين ايران ومصر على قاعدة الخلاف حول ما يجري في غزة وحول اسباب الحصار وحول المواقف من حركة حماس ومن العدوان الاسرائيلي على غزة.وقد  تطورت المواقف الايرانية بشأن ما يجري في غزة في الاشهر الاولى للحصار من خلال:
-         الدعوة الى اجتماع اسلامي طارئ لبحث جرائم اسرائيل.فقد طلب وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي من امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي اكمل الدين احسان أوغلو الدعوة وعلى وجه السرعة الى عقد مؤتمر طارئ لوزراء خارجية الدول الاعضاء بهدف "دراسة الجرائم ضد البشرية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة"،واعتبر متكي ان البحث عن حلول مناسبة وسريعة للحد من جرائم الكيان الصهيوني الوحشية هي احد الاسباب الاخرى لطلبه عقد الاجتماع الطارئ" (الخليج الاماراتية 21/1/2008) وقال المتحدث باسم الحكومة الايرانية غلام حسين الهام "ان اسرائيل تعمل على تحويل غزة الى "هولوكوست "أخرى.(الشرق القطرية 2/3/2008) .وأعلن الرئيس الايراني "ان اسرائيل سيتم اقتلاعها، وان قادتها سيحاكمون "تعليقا" على العدوان المستمرعلى غزة،وأضاف في حديث الى التلفزيون الايراني "سبق وقلت ان المحرقة الفعلية تحصل في فلسطين،"وأضاف" عن كل طفل يقتل في الاراضي الفلسطينية سيتم القيام بتحرك قضائي لكشف المسؤولين عن هذا الامر.عليهم ان يعلموا انهم سيلاحقون واحدا" تلو الآخر".وأكد نجاد ان غزة ليست سوى بداية ،مؤكدا" ان اسرائيل "تواجه الهزيمة وسيتم اقتلاعها" (الخليج الاماراتية3/3/2008).وفي اطار التحريض ضداسرائيل وممارساتها في غزة خصصت بعض المنظمات في ايران جائزة كبرى لمن يقتص من القادة الاسرائيليين الثلاثة الذين تم تشخيصهم بأنهم وراء عمليات الابادة للشعب الفلسطيني واغتيال المجاهدين، وهم :ايهود باراك ،ومائير داغان رئيس الموساد،وعاموس يادين رئيس استخبارات الجيش.(الخليج الاماراتية 10/3/2008).
ومن اللافت في المواقف والتصريحات الايرانية التأكيد الدائم على ضعف الكيان الصهيوني ودخوله مرحلة التراجع والضعف والانحلال،و ان مصيره الزوال.وتكررت على لسان اكثر من مسؤول سياسي وعسكري في ايران مصطلحات مثل "العد التنازلي"،و"زوال اسرائيل"،و"محو اسرائيل"،و"اقتلاع اسرائيل"،"وهزيمة اسرائيل"،و"انتهاء الكيان الصهيوني"،و"الجرثومة القذرة"و"الحيوان المتوحش"و"الكيان المصطنع"
-         اتهام الولايات المتحدة بأنها شريك مع اسرائيل في اغتيال قادة حماس.فقد قال رئيس مجلس الشورى الايراني السابق غلام علي حداد عادل في 21 /2/2008 "ان اميركا قامت مع اسرائيل بتنظيم عمليات ارهابية لاغتيال القادة الفلسطينيين".
-         المطالبة بكسر الحصار.وقد بدا الامر بمطالبة الدول  الاسلامية مساعدة الحكومة المصرية في هذا الموضوع ، مع التأكيد على خيار المقاومة  "لانقاذ الشعب الفلسطيني".فقد دعا المرشد الايراني السيد على خامنئي البلدان الاسلامية لكسر الحصار عن قطاع غزة ومساعدة شعب وحكومة مصر في هذا المجال في ضوء مسؤوليتهما التاريخية الكبرى في هذا الموضوع. وحذر خامنئي الحكومات الاسلامية من ان تتحول  كبعض الاطراف،الى اداة ضد الفلسطينيين في غزة،وقال ان المقاومة هي الخيار الوحيد لانقاذ الشعب الفلسطيني داعيا" الفلسطينيين لحفظ وحدتهم والتفافهم حول حكومتهم المنتخبة"(الخليج الاماراتية9/2/2008).كذلك توقع  عضو مجلس الخبراء احمد خاتمي ردا" قويا" من حركة المجاهدين على حصار غزة،واعتبر ان من بتعات زلزال فينوغراد هو الهجوم الوحشي على قطاع غزة. وقال ان على اسرائيل ان تتوقع حركة قوية من المجاهدين الفلسطينيين ردا" على حصار غزة وتكرار الاعتداءات الوحشية على القطاع" (الخليج الاماراتية9//2008)
-         الرد على مقولة تبعية حماس لايران، من خلال التأكيد على استقلالية الحركة.فقد قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية محمد علي حسيني ،ردا" على تصريحات الملك عبد الله الثاني التي قال فيها ان قادة حماس رهن اشارة ايران..."ان قرارات حماس ليست خاضعة لأوامر أي دولة ومن المؤسف ان بعض الدول العربية في المنطقة تتأثر احيانا" بسياسات اميركا واسرائيل وتغض الطرف عن مصالح الشعب الفلسطيني،ويعتبر هذا النوع من التوجه نووعا" من سياسة القاء اللوم على الآخرين ولا يتطابق مع الحقائق على الساحة الفلسطينية"( الوطن السعودية13/2/2008)
-         الدعوة الى استفتاء شامل في الاراضي المحتلة لحل مشكلة القضية الفلسطينية واسرائيل: فقال مستشار الرئيس الايراني مجتبى ثمرة هاشمي "ان وجهة نظر ايران ازاء القضية الفلسطينية واسرائيل هي اجراء استفتاء شعبي يشترك فيه الفلسطينيون في الاراضي المحتلة سواء كانوا من المسلمين او اليهود او المسيحيين اضافة الى اللاجئين الفلسطينيين في جميع انحاء العالم خاصة في لبنان وسوريا والاردن،وأي نتيجة يتمخض عنها يجب ان يقبل بها المجتمع الدولي" (الخليج الاماراتية2/2/2008).وكرر الفكرة نفسها ناطق نوري مستشار المرشد السيد علي خامنئي معتبرا" ان اجراء انتخابات في فلسطين هو السبيل الوحيد لحل المشكلة الفلسطينية متهما" الاميركيين بالوقوف في وجه اجراء مثل هذه الانتخابات.(الاخبار27/9/2008). ومن المعلوم ان فكرة الانتخابات التي أخذت طريقها الى ادبيات المسؤولين الايرانيين هي مثابة حل ومخرج –قانوني- يبعد عنهم تهمة العداء لليهودية وللسامية،التي يلجأ اليها الغرب،عندما تتم الدعوة الى زوال اسرائيل أو الى القضاء عليها...
-         دعم حماس والتأكيد على شرعية المقاومة واستمرارها:فقد اعتبر امين عام المجلس الاعلى للأمن القومي سعيد جليلي خلال استقباله في طهران رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل "ان المقاومة والصمود الشامل والواعي للشعب الفلسطيني جدير بالاحترام وان سر نجاح حماس يتمثل في صيانتها بجد لحقوق الشعب الفلسطيني".كما قال المرشد الاعلى في المناسبة نفسها ان الكيان الصهيوني بات عاجزا" عن مواجهة الشعب الفلسطيني داعيا" الى مواصلة المقاومة...ووصف خامنئي المواقف التي تتخذها قيادة حماس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية بأنها شجاعة وتبعث على الامل والفرح والسرور . وندد بالحصار اللاإنساني المفروض على غزة وعمليات القتل التي يتعرض لها الاطفال يوميا". ثم أعلن المرشد في تصريح لافت الدعم المباشر لحماس ووقوف ايران الى جانبها في غزة. وهو مثابة رد على القوى الاخرى العربية وغير العربية التي تحاصر حماس وتريد تقويض حكمها في القطاع.فقال في خطبة صلاة عيد الفطر في 2/10/2008 بعد تأكيده ان الصهاينة في طريقهم الى الانهيار والضعف: "إن ايران ستقف الى جانب حكومة حماس في غزة واصفا" رئيس الوزراء اسماعيل هنية بالمجاهد. داعيا" الى تضافر الجهود والمزيد من التضامن لنصرة الشعب الفلسطيني" (الشرق الاوسط 2/10/2008).وحذر في المناسبة نفسها من جميع اشكال الطائفية والتفرقة بين المسلمين ،لأن العدو لا يفرق بينهما،داعيا" العالم الاسلامي الى تضافر الجهود والمزيد من التضامن لنصرة الشعب الفلسطيني". وكرر الموقف نفسه وبوضوح لافت الرئيس احمدي نجاد بقوله:"أن بلاده ستستمر في دعم حركة المقاومة الاسلامية حماس حتى تنهار اسرائيل"وأن ايران "تعتبر دعمها للفلسطينيين واجب قومي وديني، وستقف الى جانب الفلسطينيين حتى عيد النصر الاكبر وهو انهيار النظام الصهيوني".
-         انتقاد الحكومة المصرية لاستمرارها في اغلاق معبر رفح. ما أدى الى عودة التوتر الشديد في علاقات البلدين خاصة على مستوى التصريحات والاتهامات المتبادلة.وقد انتقل الموقف الايراني من انتقاد السياسة المصرية الى انتقاد "بعض الدول العربية التي تشارك في حصار غزة أو تصمت عما يجري لها..فحمّل  رئيس مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني الحكومة المصرية مسؤولية إغلاقها معبر رفح بوجه اهالي غزة "المظلومين وتفجير الانفاق التي يمرون منها".ونقلت وكالة الانباء الايرانية عن رفسنجاني قوله في خطبة صلاة عيد الاضحى :"لا ادري كيف يتحمل المصريون رغم ماضيهم الحضاري والاسلامي إغلاق حدودهم بوجه اخوانهم ...ووصف الوضع في غزة بالكارثي...وأكد ان غضب المسلمين سينفجر ليحرق الصهاينة وأن العار سيلاحق الدول الاسلامية التي تقاعست عن نصرة اخوانهم الفلسطينيين". وتبعه في الموقف نفسه على أكبر محتشمي الأمين العام لمؤتمر دعم الشعب الفلسطيني عندما قال" ان مسؤولية العدوان تقع على عاتق الرئيس المصري حسني مبارك .وقال بأن مبارك كان على علم مسبق  بالعدوان على غزة،وطالب بمحاكمة بعض الرؤساء والزعماء العرب والرئيس الاميركي وزعماء اسرائيل ...". وما زاد من شقة الخلاف المصري الايراني ان التظاهرات الغاضبة التي خرجت الى الشوارع في طهران استنكارا" لما يجري في غزة أن بعضها هاجم مكتب رعاية المصالح المصرية ومنعتهم الشرطة من الدخول اليه.علما" بأن التظاهرات والاعتصامات حصلت ايضا" امام أكثر من 25 سفارة عربية واجنبية شاركت في مؤتمر حوار الاديان الذي دعت اليه السعودية وعقد في نيويورك في نهاية شهر تشرين الثاني /نوفمبر 2008.ونسب الطلاب الى الحكومة المصرية "منع المساعدات الانسانية وقوافل الاغاثة من الدخول الى غزة" واتهموها ب"التعاون مع اسرائيل"في فرض الحصار وارتكاب المجازر ضد الاطفال والنساء الفلسطينيين".لم تتأخر الديبلوماسية المصرية كثيرا" في الرد على المواقف الايرانية وتبعتها المؤسسة الاعلامية الرسمية في الهجوم المباشر على ايران وعلى سياستها في المنطقة.واستدعت وزارة الخارجية رئيس مكتب رعاية المصالح الايرانية في القاهرة وابلغته احتجاج مصر واستياءها الشديد "إزاء ما دأبت عليه بعض الدوائر الايرانية من ترتيب مظاهرات امام مقر البعثة الديبلوماسية لمصر في طهران".ووصف بعض الكتاب والصحافيين المصريين ،مثل رئيس تحرير صحيفة الجمهورية محمد علي ابراهيم ،ما فعله الطلاب الايرانيين بأنه "سفالة وقلة أدب".وأضاف "منذ ان تدخلت ايران الى جوار حركة حماس ودفعت مرتبات باهظة الى المسؤولين فيها والصراع العربي –الاسرائيلي يزداد صعوبة...كانت الدولة الفلسطينية على وشك ان تعلن لولا تعنت اسرائيل والانشقاق الداخلي الفلسطيني الذي نظمته ومولته وشجعت عليه طهران"(شبكة الاعلام العربية 13/12/2008).كما رفضت مصر بطبيعة الحال انتقادات المسؤولين الايرانين لها.فقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية :"ان مصر لا تقبل المزايدة عليها من أي طرف كان في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ،خاصة وان تاريخها في دعم هذه القضية معروف للجميع ولا يحتاج الى إقرار من احد".في حين قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى المصري محمد بسيوني:"ان ايران لا تريد استمرار الدور المحوري لمصر في منطقة الشرق الاوسط الذي يهدف الى تحقيق الاستقرار والتنمية" .لكن ذلك لم يمنع استمرار الاتصالات سواء من اجل الدعوة من الجانب الايراني الى عقد اجتماع لترويكا اتحاد البرلمانات الاسلامية "من اجل بحث موضوع الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة  الفلسطيني".فاتصل علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى  الايراني بنظيره احمد فتحي سرور لهذا الغرض.أو من جانب وزير الخارجية منوشهر متكي من اجل ارسال المساعدات الى غزة عبر معبر رفح.لكن رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني انتقد ايضا" الحكومة المصرية بشدة لاستقبالها تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية معتبرا" "أن بلاده واجهت اميركا وحدها في ما كانت الدول المطلة على الخليج تساند واشنطن واخرى تلتزم الصمت ...وقال اننا نفتخر باننا ندعم حماس وحزب الله وليخجل الذين يتصورون ان بامكانهم ان يركعوا شعبا" من خلال فرض الحصار عليه".(السفير 27/12/2008).
ومع بداية العدوان الاسرائيلي على غزة في نهاية عام 2008 ارتفعت حدة الانتقادات الايرانية للدول العربية ،ومطالبتها مع الدول الاسلامية بالتحرك لوقف هذا العدوان. فقال مرشد الثورة السيد على خامنئي "ان سكوت وتشجيع بعض الانظمة العربية ،التي تدعي الاسلام عن جرائم اسرائيل هي المصيبة الأكبر. ودعا علماء الازهر الى إعلاء كلمة الحق،ودق ناقوس الخطر،الذي يهدد الاسلام،مطالبا" المسلمين بنصرة الشعب الفلسطيني".كما توجه السيد خامنئي الى منظمة المؤتمر الاسلامي فدعاها الى القيام بواجبها التاريخي في مواجهة اسرائيل ومحاكمة رؤسائها المجرمين ومعاقبتهم..."(الاخبار /اللبنانية 29/12/2008). وأضاف "أن من واجب جميع المجاهدين الفلسطينيين والمؤمنين في العالم الاسلامي الدفاع عن النساء والاطفال العزل في غزة وسيكونون في مراتب الشهداء إذا ما قتلوا..."(البيان الاماراتية 29/12/2008). وبالاضافة الى محاولات ارسال المساعدات الانسانية والطبية الى القطاع المحاصر (الحياة 27/12/2008) فقد ادانت ايران بقوة  الحرب الاسرئيلية على غزة وكذلك الصمت الدولي،وطالب المتحدث باسم خارجيتها حسن قشقاوي "المجتمع الدولي سيما مجلس الامن ومنظمة المؤتمر الاسلامي بالتحرك لمنع الكيان الصهيوني من الاستمرار في ارتكاب جرائمه الوحشية ضد الفلسطينيين"(الخليج ،الامارات 28/12/2008).وخرجت التظاهرات مبكرا" في العاصمة طهران تنديدا" بالعدوان،شارك فيها مسؤولون ايرانيون،وقيادات رفيعة المستوى في الجيش وحرس الثورة الايراني ،وخرجت تظاهرات مماثلة في المدن الايرانية الاخرى.(الجزيرة نت 29/12/2008).وفتحت مجموعة من رجال الدين باب التطوع لمحاربة النظام الصهيوني"إما في المجال العسكري أو المالي،او مجال الدعاية"(الدستور30/12/2008).وتتابعت المواقف نفسها على لسان اكثر من مسؤول ايراني من الشيخ هاشمي رفسنجاني الى وزير الخارجية منوشهر متكي، وارسلت بعثة ايران الى الامم المتحدة رسالة عاجلة الى رئيس مجلس الأمن طالبت فيها باتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة جرائم الكيان الصهيوني في غزة .ولإنهاء عمليات القتل ضد ابناء الشعب الفلسطيني" (الخليج 30/12/2008).
لكن عام الحصار على غزة لم يقلل من أهمية المفاوضات السورية –الاسرائيلية غير المباشرة،ومن التوقعات التي ارتبطت بتلك المفاوضات وبتأثيراتها المحتملة على حركات المقاومة في فلسطين او في لبنان.خاصة وأن اسرائيل كانت تقول علانية انها تستهدف من تلك المفاوضات ومن السلام مع سوريا عزل هذه الاخيرة عن ايران وعن حماس وحزب الله.بحيث يؤدي هذا السلام الى انهاء الصراع في الشرق الاوسط. وهي الفكرة نفسها التي دعا اليها ريتشارد هاس ومارتن انديك  في دراستهما"بعيدا" من العراق:استراتيجية اميركية جديدة في الشرق الاوسط" نشرت على موقع تقرير واشنطن حيث دعا الكاتبان الإدارة الجديدة الى "بذل المزيد من الجهود للتوصل الى اتفاق سلام بين اسرائيل وجيرانها العرب لا سيما على الجانب السوري. انطلاقا" من ان السلام على هذا الجانب –السوري- سوف يحد من الدور الايراني إقليميا".فالسلام بين تل ابيب ودمشق سيعمل بحسب تلك الدراسة على إحداث انفصال في الشراكة الاستراتيجية بين طهران ودمشق،بالاضافة الى تقويض الدعم الايراني لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية."ويخلص الكاتبان الى ان الجهود الاميركية لحل الازمة النووية الايرانية والتوصل الى اتفاق سلام سوري- اسرائيلي ،وآخر فلسطيني- اسرائيلي، يجب ان تكون متزامنة لأن التقدم في أحد تلك الملفات يدفع بالتقدم في الملفين الآخرين".لكن اندلاع الحرب على غزة ادى الى تجميد المفاوضات من الجانب السوري. ومن اللافت ان ايران لم تهاجم المفاوضات السورية الاسرائيلية غير المباشرة.إما لأنها كانت تعلم تماما" ان سوريا لن تتخلى عن تحالفها معها ومع حركات المقاومة الأخرى حتى لو استرجعت الجولان،وإما لأنها كانت تتوقع الا تؤدي المفاوضات الى أي تقدم كما جرى في مرات سابقة،و بالتالي لم يكن من المفيد إظهار التباين في الرأي مع الحليف الاستراتيجي –سوريا- فير الوقت الذي يبدو فيه مشروع التفاوض غير مضمون النتائج أو الاستمرارية، كما كشفت لاحقا" الحرب على غزة.
وعلى الرغم من الانشغال الاقليمي والدولي بحصار غزة فإن التهديد المتبادل الايراني الاسرائيلي لم يتوقف في عام 2008.وذهبت كثير من التحليلات الى القول بأن اسرائيل ستغتنم الفترة الانتقالية قبل استلام أوباما الحكم لتوجه ضربة خاطفة الى ايران تقضي بها على برنامجها النووي أو تؤخره سنوات عدة. فاتهم الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ايران بأنها "تحتل مركزا" محوريا" في العنف والتعصب".وبأنها قسمت لبنان، وزرعت الفتنة في صفوف الفلسطينيين خلال دعمها لحركة حماس التي فرضت سيطرتها على قطاع غزة في حزيران /يونيو 2007"(الجزيرة 25/9/2008).وكذلك اعتبرت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس أن حماس تقاتل بالوكالة عن ايران التي تسعى لامتلاك قنبلة نووية لتدمير اسرائيل وزعزعة استقرار الشرق الاوسط.وقالت رايس ان الولايات المتحدة ستواصل جهودها لعزل حماس ..."(الوكالات1/5/2008). وأطلق المسؤولون الايرانيون بدورهم تصريحات مقابلة حملوا فيها "الصهاينة القتلة المسؤولية عن كل الأزمات"(الجزيرة 25/9/2008) .ولوحوا برد ساحق في حال فكرت اسرائيل في الهجوم على ايران.في حين كرر اكثر من مسؤول اسرائيلي استعداد بلاده لشن هجوم على ايران منعا" لتهديدها النووي.
هكذا سينقضي عام 2008 مثل ما بدأ .غزة في قلب الحدث ثم في قلب الحرب. وحول ما يجري في غزة ستتخذ المواقف العربية والاسلامية. من التنديد بالحصار الى التنديد بالحرب. ومن الصمت على الحصار الى الصمت عن الحرب.وفي الحالتين كانت ايران من الدول التي بادرت مبكرا" الى اعلان الدعم والتأييد لفك الحصار عن قطاع غزة والى اعلان الدعم الواضح لاستمرار المقاومة والتشبث بها في مواجهة الاحتلال –وخصوصا" حركة حماس -التي تقاتل العدوان الاسرائيلي. وستستمر ايران في مواقفها المعادية لاسرائيل وستتعرض لسيل من الاتهامات والتهديدات،وسيعود التوتر الى بعض علاقاتها العربية بسبب ما جرى في غزة... لكن الرغبة الاسرائيلية بحرب خاطفة على ايران قبل استلام اوباما الحكم في الولايات المتحدة لن تتحقق. فكانت الحرب على غزة اعتقادا" من اسرائيل بأن القضاء على حماس وعلى حركة المقاومة الفلسطينية  سوف ينهي القضية الفلسطينية  من جهة ،ويجعل الرئيس الاميركي الجديد من جهة ثانية أكثر استعدادا"للتركيز على ملف ايران النووي الذي يقلق اسرائيل وتعتبره تهديدا" وجوديا" لها ولأمنها...

No comments:

Post a Comment