Friday, May 1, 2009

التقدير الاستراتيجي: "ماذا لو شنّت اسرائيل حربا" على ايران؟"

للمرة الاولى في تاريخ الجيش الاسرائيلي يتم الاعلان رسميا" "ان ايران هي العدو الاستراتيجي الرقم واحد.وان السلاح النووي الايراني يشكل خطرا" وجوديا".وأن مشكلة القضاء على التهديد النووي الايراني هي من اخطر القضايا الأمنية التي تواجه القيادتين السياسية والعسكرية الاسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية.وقد جاء هذا الاعلان في المؤتمر السنوي للقيادة العسكرية الاسرائيلية الذي يحوي كبار الضباط.(18/2/2009).
ترافق الاعلان مع ثلاثة مستويات من المواقف الاسرائيلية تجاه كيفية التعامل مع البرنامج النووي الايراني. الاول عبر عنه قادة سياسيون وعسكريون (باراك، اشكينازي،أولمرت، نتنياهو،ليبرمان...)ومفاده ان على الدولة العبرية الاستعداد للخيار العسكري وان تعد العدة لشن هجوم في أي لحظة مناسبة على المنشآت النووية الايرانية.مع تأكيدات لرئيس هيئة اركان الجيش غابي اشكينازي "ان المعلوات المتوفرة لدى اسرائيل هي ان ايران ستتمكن بحلول نهاية العام الحالي 2009 من انتاج قنبلة نووية.وهذه هي استراتيجية نتنياهو التي يسميها :ايران أولا".أي مواجهة التهديد النووي الايراني قبل أي ملف آخر فلسطيني او سوري أو لبناني،وايران يعتبرها ليبرمان"المشكلة الرئيسة في الشرق الاوسط. في حين يؤكد أولمرت:"أن الدولة العبرية تملك قوات عسكرية يصعب تصور مداها وكثافتها"...

المستوى الثاني عبر عنه رئيس شعبة الاستخبارات السابق واللواء الاحتياطي أهرون فركش الذي قال :"ان اسرائيل غير قادرة على مواجهة التهديد النووي بقواها الذاتية.إنها في حاجة ماسة الى مساعدة الولايات المتحدة. وفي حال وجهت ضربة عسكرية الى ايران فعلى اسرائيل ان تكون مشاركة ليس أكثر."داعيا" الجانب الاسرائيلي الى القليل من التواضع...ترافق تصريح "فركش" الذي أذهلت صراحته الكثيرين ، مع تأكيدات من اوساط أخرى سياسية وعسكرية "تحذر من خطر الاحساس الهائل بالغرور الذي تعرقله حقائق عدم تحقيق الانتصار المقنع في الحروب: حرب الاستنزاف وحرب الغفران وحروب لبنان الاولى والثانية..." ومن خطر اتخاذ قرارات متهورة في ظل قيادات لا تتمتع بالكفاءة ...كما قدمت في الوقت نفسه مجموعة من كبار المسؤولين السابقين في جهاز الامن الاسرائيلي توصيات متعددة الابعاد للتصدي للتهديد النووي الايراني تتداخل فيها العقوبات مع التأثير على الرأي العام الايراني مع الاستعدادات لعملية عسكرية ومقاضاة الرئيس أحمدي نجاد.(أي ان التوصيات تحاول ان تنأى بحكومة نتنياهو عن التهور العسكري) .

المستوى الثالث: يمكن ملاحظته في موقف رئيس الدولة شيمون بيريز الذي قال للمبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط جورج ميتشل(17/4/2009) :"أن لا نية لجيشه بمهاجمة ايران.وأن من الواجب خلق تعاون دولي واسع في المسألة الايرانية .وأن كل الاحاديث عن هجوم اسرائيلي محتمل على ايران ليست صحيحة. فالحل في ايران ليس عسكريا"."

والى وجهات النظر هذه ،شهدت الصحف الاسرائيلية ايضا" تعليقات واسعة حول "الخطر الايراني". وذهبت بعض تعليقاتها وافتتاحياتها الى الاستنتاج :"ان الهجوم الاسرائيلي لا يمكن ان يضمن احباط البرنامج النووي الايراني...وهل تعرف اسرائيل ماذا واين يجب عليها ان تهاجم؟..."(هآرتس)، و"تصفية القوة النووية الايرانية كبير علينا"(يوئيل ماركوس)...

 بموازاة هذه الاتجاهات الثلاثة استمر الجيش الاسرائيلي في القيام بالمناورات والتدريبات واستقدام السلاح  وشراء المزيد من الطائرات الحربية والاستخبارية الاكثر تطورا" في العالم . الى تجارب على منظومة صواريخ"حيتس" الاعتراضية وصولا" الى "رضى" نتنياهو عن الاستعدادات الاسرائيلية للخيار العسكري ضد ايران.

لا تعني هذه المستويات الثلاثة من المواقف والاتجاهات- التي قد تتداخل في ما بينها- ان هناك اختلافا" في توصيف "الخطر الايراني" على الدولة العبرية. بل يقع الاختلاف والتباين حول أولويات التعامل مع هذا الخطر.بين من يريد تأجيل العمل العسكري، ومن يلوح به مبكرا"، ومن يفضل مشاركة أو دفع آخرين مثل الولايات المتحدة الى توجيه ضربة عسكرية الى ايران.  

يبدو الموقف الاميركي حاسما"  تجاه النوايا والاستعدادات الاسرائيلية لضرب ايران.فهو لا يكتفي فقط بعدم تشجيع أي خيار عسكري، بل يعارض بقوة مثل هذا الخيار في هذه المرحلة، حتى لو كانت ايران هي الخطر الاول على الدولة العبرية .لا بل تختلف الادارة الاميركية مع الرؤية الاسرائيلية حول أولويات الحل في منطقة الشرق الاوسط. فبدلا" من"ايران أولا""ترى هذه الادارة أولوية التقدم على المسار الفلسطيني بإعلان الموافقة على حل الدولتين. لأن هذا الاعلان،وفقا" للمنظور الاميركي، يمكن ان يساعد في تشكيل جبهة عربية اميركية اسرائيلية لعزل ايران.. في حين يرى نتنياهو-ليبرمان ان معالجة الملف النووي الايراني أولا" هو الذي يمكن ان يتيح التقدم في الملف الفلسطيني،لأن ايران بإمكانها تعطيل أي تقدم يحصل على هذا المستوى. لذا يجب الحد من قدرة ايران –ووقف برنامجها النووي- قبل الانتقال الى الملف الفسطيني.

وتذهب الادارة الاميركية ابعد من ذلك، بتحذير المسؤولين الاسرائيليين الواضح "من مفاجأة واشنطن بعملية عسكرية ضد ايران" :".(تحذير نقله رئيس وكالة الاستخبارات الاميركية ليون بانيتا 25/5/2009)، لماذا؟ لأن مثل هذه الخطوة كما يقول رئيس هيئة اركان القوات الاميركية المشتركة مايكل مولن "من شأنها أن تعرض المنطقة بأسرها الى الخطر" (28/3/2009).في حين اعتبر نائب الرئيس جو بايدن :"أن مهاجمة اسرائيل لإيران ستكون نوعا" من التهور"(9/4/2009).أما وزير الدفاع روبرت غيتس،فقال "بأنه سيتفاجأ إن بادرت اسرائيل بشن عملية عسكرية ضد ايران" وحذر في الوقت نفسه من عملية مماثلة "لأن ذلك لن يؤدي سوى الى تأجيل البرنامج النووي الايراني وزيادة التصميم الايراني،وأن الضربة ستكون لها عواقب وخيمة،وستؤجج مشاعرالكراهية ضد الجهة المسؤولةعن الضربة"(17/4/2009).

-         اذا" الادارة الاميركية لا تؤيد في الوضع الراهن ضربة عسكرية اسرائيلية الى ايران.

-         الادارة الاميركية الجديدة تريد من الحكومة الاسرائيلية إعلان تأييد "حل الدولتين"

-         ادارة أوباما لا توافق اسرائيل على أولوية البرنامج النووي الايراني للتقدم في حل مشكلة الشرق الاوسط.بل تعتبر المدخل الى الحل هو التقدم في عملية التسوية. وهذا التقدم يمكن ان يتحقق بقبول اسرائيل بفكرة الدولتين والتراجع عن بناء المستوطنات...ما سيسمح للدول العربية المعتدلة الادعاء بتحقيق تقدم فعلي على المسار الفلسطيني.

تخشى اسرائيل مما تعتبره "مرور الوقت": أي ان يتيح التفاوض الاميركي- الايراني اذا طال أمده، حصول ايران على القنبلة النووية. وبما انها لا تستطيع منع ادارة اوباما من خيار التفاوض والحوار فإن اسرائيل ستدعو هذه الادارة الى "الحوار المشروط" بمدة زمنية محددة. بحيث يتبين بعدها صدق أو حقيقة النوايا الايرانية في الالتزام ببرنامج نووي سلمي أو يتبين خلاف ذلك. ما يبرر بالنسبة الى القادة الاسرائيليين مشروعية العمل العسكري من دون أي معارضة أميركية أو اوروبية...

ما هي الخيارات المتاحة في ظل المعطيات السابقة أمام اسرائيل للتعامل مع "الخطر الوجودي الايراني"؟ وما هو انعكاس السيناريوهات المفترضة على الشرق الاوسط عموما" وعلى القضية الفلسطينية خصوصا"؟

 لا تبدو الخيارات امام اسرائيل مفتوحة أو متعددة.

فالسيناريو الأول: أن تلجأ الى ضربة عسكرية- خاطفة خلال ساعات- لتدمير المنشآت النووية الايرانية، فتطيح مشروع الحوار الاميركي- الايراني المرتقب. خاصة وانها تتوقع بسبب إطالة أمد هذا الحوار،أن تنجز ايران القنبلة النووية.وتخشى الحكومة الاسرائيلية من توجهات الادارة الاميركية التي ألمحت الى غطاء جوي نووي لحماية اسرائيل. ما يعني ضمنا" التسليم بقدرات ايران النووية. وترى اسرائيل في سياسات أوباما مرحلة جديدة تختلف كثيرا" عن مرحلة الدعم غير المحدود وغير المشروط التي عرفتها مع ادارة جورج بوش.(عدم التطابق في وجهات النظر بين أوباما ونتنياهو بعد زيارة الأخير الى البيت الابيض في 18/5/2009).وتعتقد الحكومة الاسرائيلية أن ليس لأوباما أي مصلحة في عمل عسكري ضد ايران مع حاجته الى الحوار معها لترتيب الأوضاع المتداعية في أفغانستان وباكستان.كما أن الأزمة الاقتصادية تلجم قدرات القوى العظمى كلها وكل واحدة من هذه القوى تحتاج حاجة ماسة الى إرجاء المواجهات الدولية وتفاديها (كيسنجر 29/4/2009).هكذا يصبح الخيار العسكري مثابة "ضربة استباقية" تقلب الأمور رأسا" على عقب وترغم ادارة أوباما على الوقوف الى جانب اسرائيل وعلى التراجع ليس فقط عن فكرة الحوار بل والتوقف عن ممارسة الضغوط على الحكومة الاسرائيلية لقبول حل الدولتين.كما ستتراجع كذلك التوجهات الغربية للحوار مع حركة حماس.

في مثل هذا السيناريو: لن تكون اسرائيل مرغمة على استمرار التفاوض مع سوريا مع إعلان نتنياهو رفضه الانسحاب من الجولان. وعلى الأرجح ستغتنم القيادة الاسرائيلية فرصة الحرب لتوجيه ضربات قاسية الى قيادات حركة حماس وقيادات المقاومة في فلسطين..وستؤخر ايضا" أي فكرة حول حل الدولتين لأن العالم كله سينشغل –طويلا"- باحتواء مثل هذه الضربة. وستتوقف المفاوضات حتى مع السلطة الفلسطينية.أي ستكون "ايران أولا" وليس القضية الفلسطينية هي المشكلة الرئيسة التي يجب على العالم حلها. ويواجه هذا السنياريو احد احتمالين: الأول هو ان تنجح اسرائيل في تدمير قسم  من المنشآت النووية الايرانية وتعجز ايران عن الرد في الوقت  المناسب. أي تحقق اسرائيل انتصارا" خاطفا" . وفي مثل هذه الحالة من الطبيعي ألا تقدم الحكومة الاسرائيلية أي تنازل لا بشأن الدولتين ولا المستوطنات ولا المبادرة العربية للسلام. وستتحول الضغوط العربية والاسرائيلية والدولية الى حركات المقاومة-حماس بالدرجة الاولى – لدفعها الى القبول بكل ما كانت ترفضه في السابق من الاعتراف باسرائيل الى القرارات الدولية الى ما وقعته السلطة مع اسرائيل من اتفاقيات...والاحتمال الثاني ان ترد ايران بقوة على العدوان الاسرائيلي حتى لو نجح هذا الاخير في تدمير بعض المنشآت النووية. ما سيشعل المنطقة كلها ويضعها امام احتمالات واسعة من امتداد اللهيب. أي ان ميزانا" جديدا" للقوى سينشأ بعد هذه الحرب قد يدفع الحكومة الاسرائيلية اذا خسرت المواجهة الى التراجع والاعتراف بحل الدولتين.ولكن حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ستكون هي المستفيد الأول من الوضع الجديد .لكن هذا الاحتمال سيزيد المخاوف العربية من ايران.وسيرغم الولايات المتحدة و"المجتمع الدولي"على الوقوف مجددا" بقوة الى جانب اسرائيل حتى لا تضطر الى تقديم أي تنازلات اضافية .  

السيناريو الثاني : ان تنتظر اسرائيل –رغما" عنها- نتائج الحوار الاميركي مع ايران.فلا تقدم على اي عمل عسكري يغضب ادارة أوباما ويربك حساباتها الاقليمية مع حلفائها العرب الذين يرغبون –بعد سنوات طويلة من التفاوض- في تحقيق أي اختراق على المسار الفلسطيني (مثل الموافقة على حل الدولتين) .وفي مثل هذه الحالة لن تعمد ادارة نتنياهو الى تقديم أي تنازلات فعلية لا للطرف الفلسطيني ولا للطرف السوري حتى لو استؤنفت المفاوضات.لأن استراتيجية اسرائيل في هذه الحالة ستكون "استراتيجية الانتظار والتأجيل". ومن المحتمل ان تعمد في هذه الفترة الى: الاغتيالات،رفض مشاركة حماس في أي حكومة، رفض التفاوض مع حكومة فيها حماس، مزيد من التعاون –والتطبيع- مع الدول العربية "المعتدلة"، والتحريض على ايران والتخويف من برنامجها النووي، مع استمرار الاستعداد لضربة عسكرية ضد ايران.ولن تتوقف حكومة نتنياهو عن بناء المزيد من المستوطنات ،مع تركيزها على توسيع شقة الخلافات الفلسطينية-الفلسطينية.(التي يبدو انها ستستمر مع تشكيل حكومة جديدة لم تحظ بالتوافق الوطني بين الفصائل كافة).  لكن اسرائيل لن تتراجع في أثناء "الانتظار"عن تكرار التأكيد على الخطر الايراني عربيا" وعالميا"، وعن الدعوة الى مزيد من العقوبات ضد طهران.

ما هو السيناريو الأقوى في ظل المعطيات السابقة التي أشرنا اليها؟

يبدو ان حكومة نتنياهو- ليبرمان لن تجرؤ على المجازفة باختيار السيناريو الاول للأسباب التالية:

-         حزم الرئيس الاميركي الصارم والواضح في رفض هذا الخيار،الذي سيربك كل استراتيجيته في الشرق الاوسط

-         عدم الاجماع الاسرائيلي الداخلي حول هذا السيناريو

-         الخشية من رد الفعل الايراني الواسع في ظل استعداد طهران الجدي على المستوى العسكري لهذا النوع من الرد

ما يعني ان الحكومة الاسرائيلية ستكون مرغمة على التراجع عن التهديد المتواصل بضرب ايران. خاصة وان الرئيس الاميركي المح الى فترة زمنية للتأكد من رغبة ايران في الحوار هي نهاية العام الحالي، يتضح  خلالها قدرته على معالجة الوضع في باكستان وأفغانستان. أي ان على اسرائيل الانتظار حتى تلك الفترة قبل ان تفكر بأي عمل عسكري.ولعل الرئيس أوباما سيحاول في هذه الفترة "انتزاع" بعض التنازلات من نتنياهو –ترضي حلفاءه العرب وتعزز وضع السلطة الفلسطينية، وتضعف حماس والقوى الأخرى المعارضة - مثل وقف بناء المستوطنات، أواطلاق أسرى فلسطينييين، أوفتح المعابر والعودة الى الحوار مع السلطة الفلسطينية...حتى لو لم يعلن نتنياهو التزامه بدولة فلسطينية، أو بحل الدولتين.أي اننا سنكون امام أشهر إضافية من المراوحة من دون أي تقدم فعلي ومن دون أي التزامات جدية أساسية من الجانب الاسرائيلي.ولكن الحكومة الاسرائيلية ستعمد خلال هذه الفترة على الارجح الى توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية على قاعدة تطويق "التطرف الفلسطيني" المتحالف مع ايران التي تعرقل عملية السلام. وهذا يستدعي الانتباه الى عدم الانزلاق الى ما يريده العدو من تصاعد الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، واليقظة من عمليات اغتيال لقادة المقاومة ،أو من عمليات عسكرية محدودة في داخل غزة تحديدا"،وعدم التهاون –إعلاميا" وسياسيا" مع محاولات تشكيل جبهة عربية - اسرائيلية لمواجهة "الخطر الايراني" في الشرق الاوسط ...


No comments:

Post a Comment