Sunday, November 1, 2009

إنتخابات الجنــــوب - هاجس القرار 1559

من مفارقات الإنتخابات النيابية للعام 2005 في محافظة الجنوب ان التحالف بين حزب الله وحركة امل تم طوعاً وسعى اليه الطرفان بملء إرادتهما بعدما كانت تحالفاتهما السابقة ومنذ عام 1992 تتم بـ " تمنيات" سورية مباشرة.


       لقد اختارت القوتان الشيعيتان الأساسيتان في الجنوب اللجوء الى التحالف وفي إطار "عروة وثقى" بينهما بدل إغتنام فرصة الذهاب الى التمثيل الفعلي لكليهما ، خاصة بالنسبة الى حزب الله، الذي كان يشعر على الدوام بانه منقوص التمثيل ولا يحصل على ما يعكس فعلاً حجمه الشعبي المتنامي منذ سنوات

       لا يمكن ان نفهم هذا الخيار الطوعي بالتحالف، ولا المشاركة الشعبية الواسعة في إنتخابات الجنوب، ولا نجاح مرشحي اللوائح كافة وبفارق كبير في الأصوات مقارنة مع المرشحين الخاسرين، الا على ضوء البيئة السياسية الداخلية والاقليمية التي حصلت فيها الانتخابات. وهي بيئة مستجدة، لم تعرفها اي من الانتخابات السابقة، بزغت مع صدور القرار الدولي 1559، ثم تبلورت مع خروج القوات السورية من لبنان  أما الانتخابات النيابية التي فُرض موعد اجراؤها من الخارج، فكانت المحطة النهائية في مسار تلك البيئة التي كانت تنذر بتغيير التوازنات السياسية التي استقرت في لبنان طيلة العقود الثلاثة الماضية منذ دخول القوات السورية اليه (عام1978).



أ‌-                 القرار 1559

عندما أصدر مجلس الأمن الدولي في 24 ايلول 2004/ وبطلب فرنسي-اميركي قراره الشهير رقم 1559 وفيه تأكيد على خروج القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح الميليشيات (المخيمات الفلسطينية وحزب الله) كانت حركة المعارضة السياسية العلنية ضد الوجود العسكري السوري في لبنان قد اتخذت شكلاً منظماً (لقاء قرنة شهوان) ووتيرة متصاعدة في الوسط المسيحي بدعم مباشر من البطريرك الماروني مار نصر الله  بطرس صفير ومن رئيس الحكومة المستقيل آنذاك رفيق الحريري (الذي اتهم في حينه بأنه القائد الفعلي لتلك المعارضة) ومن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي  وليد جنبلاط، . ولم يلتحق اي من قادة الشيعة السياسيين بهذه الحركة المعارضة لإستمرار وجود سوريا في لبنان. فبدا وكأن لوحة الطوائف الأساسية لم يكتمل عقدها أزاء سوريا وخروجها من لبنان.  ومع صدور القرار 1559، ازدادت ثقة المعارضة بقدرتها على تحقيق اهدافها، فقد بات "المجتمع الدولي" وفي مقدمته فرنسا والولايات المتحدة خلف ما تقوم به وما تريده. في حين ازدادت بالمقابل مخاوف الشيعة من التغيرات المحتملة التي لا تريد فقط اخراج سوريا من لبنان وانما ايضاً نزع سلاح المقاومة، في الوقت الذي ذهبت فيه بقية الطوائف  في اتجاه مغاير . وانتقل الانقسام حول القرار الدولي 1559 الى الشارع الذي احتضن تظاهرات مؤيدة ومعارضة ترافقت مع  توتر سياسي وتراشق اتهامات بين المؤيدين للقرار والمعارضين له. وهكذا بدأت بذور القلق تنمو بسرعة في أوساط الشيعة من احتمالات التهميش الداخلي والاستهداف الخارجي بعد التناغم القوي بين حركتي الداخل والخارج أزاء التأكيد على تنفيذ القرار 1559.   فإذا كان الشيعة غير متحمسين لتنفيذ  الشق الاول من هذا القرار (خروج سوريا) بإرادة دولية ،فانهم في الوقت نفسه لا يملكون حتى الذرائع او الوسائل لمنعه او حتى للدفاع عن عدم تنفيذه.


ب‌-           إغتيال الرئيس رفيق الحريري

ربما يصعب التقدير اذا كان من الممكن خروج القوات السورية من لبنان بمثل تلك السرعة(في اقل من شهر) تنفيذاً للقرار 1559 لو لم يتم اغتيال الرئيس الحريري وتتوجه بعدها اصابع الاتهام الداخلية والايحاءات الخارجية مباشرة الى سوريا. ولربما امكن الظن ان تحقيق ذلك سيتطلب اشهراً إضافية طويلة، ومن يدري بعد ذلك كيف ستكون الأمور داخلياً وإقليمياً. لكن هذا الاغتيال الذي شكل صدمة كبيرة للسنة في لبنان بفقدان احد أهم وأبرز زعمائهم المعاصرين، ، دفعهم للنزول الى الشارع بكثافة غير مسبوقة ليس للمشاركة في التشييع وحسب، بل و "للتلاقي" مع اللبنانيين الآخرين في ساحة الشهداء (ساحة الحرية) الذين منعتهم المعادلة  السابقة اثناء الوجود السوري في لبنان من التعبير السياسي المباشر عن وجودهم مثال تيار القوات اللبنانية، وتيار العماد عون  وقد تلاقى هؤلاء في ما اطلقوا عليه " الوحدة الوطنية"، و "ثورة الأرز" و ربيع بيروت"... إستنكاراً لإغتيال الرئيس الحريري، ومطالبة" بمعرفة الحقيقة، أي حقيقة الجاني الذي ارتكب تلك الجريمة   .  لكن" شعار الحقيقة" ترافق إعلاميا" وسياسيا" مع توكيد الاتهام الذى وجه الى سوريا بعد ساعات على جريمة الاغتيال. وهكذا تحولت التظاهرات اليومية في ساحة الشهداء قرب ضريح الرئيس الحريري الى تظاهرات تطالب برحيل القوات السورية (سوريا طلعي برا) لإستعادة االحرية والسيادة والاستقلال"  وتحول مشهد هذه التظاهرات من داخل "خيم الحرية" وخارجها الى خلفية يومية ثابتة في شاشات معظم القنوات التلفزيونية المحلية والعربية والدولية. ولم يخل تصريح للرئيس الاميركي او لمساعديه من دعم ما يحصل والاشادة به ، باعتباره إستكمالاً للتحولات الديمقراطية (التي تشرف عليها واشنطن، كما ذكرت كوندوليزا رايس) من افغانستان وفلسطين الى العراق ولبنان.

لم يشعر الشيعة في لبنان انهم معنيون بالمشاركة في ما يحصل. فالإحتقان المذهبي(غير المفهوم وغير المبرر) الذي ساد إثر إغتيال الرئيس الحريري مباشرة أثار قلقهم وخشيتهم من فتنة مدبرة. والتشييع الذي تحول الى تظاهرة ضخمة تندد بسوريا وتدعوها الى المسارعة في الخروج من لبنان، لم يكن يتوافق لا مع اقتناع الشيعة بمثل تلك الدعوة ولا مع الطريقة من اجلها، ولا مع اصل التهمة نفسها. فعزفوا عن المشاركة الشعبية في التشييع  والدعوات التي صدرت من بعض القيادات السياسية اللبنانية في ذلك الوقت (وليد جنبلاط) تدعوهم الى الالتحاق بتظاهرات "السيادة والاستقلال"  اكدت لمن كان يساوره أدنى شك، ان الشيعة في اتجاه، وباقي الطوائف في اتجاه آخر. كما كان لسيل التصريحات "الانتصارية" التي غصت بها القنوات التلفزيونية يومياً لكل قادة المعارضة، من سياسيين وصحافيين عن التحولات التي يشهدها لبنان، وعن نهاية العهد الماضي ورموزه، وعن زمن اتفاق الطائف الذي انقضى، وعن تطبيق القرار 1559 كاملاً من دون أي تردد... كان لذلك كله أثر كبير لم ينتبه له الكثيرون في نمو حالة من الاحتقان والاستفزاز و في توليد مشاعر الإستهداف والعزل في وسط الشيعة عامة. ولعل هذا ما يفسر تلك الاستجابة الكثيفة للدعوة الى المشاركة في التظاهرة التي دعا اليها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله يوم الثلاثاء في 8 آذار/2005(طلباً لكشف حقيقة إغتيال الرئيس الحريري، ورفضاً للقرار 1559، وشكراً لسوريا) وقد عزز من صدقية تلك المخاوف من الإستهداف والعزل، تأكيد الموفد الاميركي الخاص الى لبنان ديفيد ساترفيلد  (بديلاً للسفير الذي غادر الى واشنطن "لأسباب عائلية") في اكثر من تصريح وبلهجة حازمة وقوية " منع حلفاء سوريا وحلفاء ايرن من المشاركة في الإنتخابات"  ومهما قيل في غباء هذا التصريح او لا دبلوماسيته بالنسبة الى البعض، فانه كشف من " المنظور الشيعي" حقيقة ما كانت تريده الولايات المتحدة مما يحصل في لبنان، (عزل الشيعة) بلسان دبلوماسي مجرب يعرف لبنان جيداً، واصبح مساعداً لوزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط.  و "عزل الشيعة" يعني في ما يعنيه ان يتحمل الشيعة وحدهم ثمن تحالفهم مع سوريا، من دون باقي الطوائف التي لم توفر بدورها جهداً او فرصة في الإستفادة على المستويات كافة من وجود سوريا  ومن العلاقات الشخصية والمباشرة مع مسؤوليها السياسيين والامنيين.في لبنان  كما يعني ان صيغة حديثة للبنان ستقوم على إضعاف موقع الشيعة  وان تحرير الجنوب، الذي تحمّل الشيعة القسط الأوفر من اكلافه البشرية والاجتماعية لأكثر من عقدين، أصبح نسياً منسياً، ولا يمت الى السيادة التي تطالب بها تظاهرات "الوحدة الوطنية" في ساحة الشهداء وفي الساحات الاعلامية المفتوحة. كما يعني هذا "العزل" ان على حزب الله الذي قاد تلك المقاومة ان يرمي سلاحه جانباً وان ينتظر ماذا ستقرر الولايات المتحدة ، ان تفعل به وبمستقبل اعضائه وقادته.

لم يلتفت الكثيرون، بسبب ضجيج التظاهرات، وضجيج التصريحات، وتأكيد قادة المعارضة على الانتقال الى عهد جديد الى ذلك الشعور بالإستياء من الإستهداف والعزل الذي تنامى بسرعة  في اوساط الشيعة، بعد اسابيع قليلة على اغتيال الرئيس الحريري ، والى حالة  التململ والاحتقان التي انتشرت بين غالبية مستوياتهم الاجتماعية ،وفئاتهم العمرية تعبيرا" عن رفضهم لما يحصل  وعن رغبتهم في القيام برد فعل ما     ولهذا ما أن  دعا امين عام حزب الله الى التظاهرة التي اشرنا اليها في 8 آذار، حتى لبى مئات الآلاف تلك الدعوة؛حتى ممن لم يسبق لهم ان شاركوا في اي تظاهرة،وذلك بعد نحو 24 ساعة فقط على اعلانها. (أعلن السيد حسن نصر الله في مؤتمر صحفي عقده ظهر الأحد في 6 آذار دعوته الى تلك التظاهرة، وبدأت الوفود تتقاطر من المناطق اللبنانية كافة الى مكان التظاهرة منذ صباح الثلاثاء في 8 آذار)  وقد اختلفت التقديرات بشأن أعداد المشاركين في هذه التظاهرة بين من قال بأنهم بلغوا مليونا" وستمائة الف ، ومن قال بانهم لم يتجاوزوا  المليون  

  كانت "جماهير الشيعة" في تلك الفترة من التوتر والقلق ومن الانفعال والحماسة للرد بأي طريقة كانت على ما شعرت به من إستهداف وإستفزاز،  بحيث بدت أكثر اندفاعا" من قياداتها التي تعاملت مع ما يحصل بهدوء وتعقل بدلا" من الاستجابة لأي انفعال قد يخرج عن السيطرة في بيئة شديدة التوتر والاضطراب  

ج‌-            خروج سوريا:

ربما كانت قيادة حزب الله تنتظر كيف ستكون إستجابة القيادة السورية للضغوط الدولية وللمطالبة الداخلية اللبنانية بالإنسحاب من لبنان تنفيذاً للقرار 1559، حتى تحدد طبيعة التحرك الذي ستقوم به . فما ان اعلن الرئيس السوري قراره "بتنفيذ اتفاق الطائف" والانسحاب من لبنان مساء السبت في 5 آذار/2005 حتى عقدت الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية اجتماعها في صباح اليوم التالي في (6 آذار 2005) بدعوة من حزب الله، "لبحث أشكال التحرك الملائمة"  وكانت الدعوة الى التظاهرة في 8 آذار اول حلقة في سلسلة من حلقات الدفاع التي ستكون الانتخابات ،(في موعدها المقرر) تتويجا" لها

فقد أكدت تلك التظاهرة الضخمة التي ضمت أيضا" "جماهير" وقيادات من الطوائف اللبنانية المختلفة، ومن الأحزاب والمنظمات السياسية، انقسام اللبنانيين  حول طريقة خروج سوريا من لبنان ، وحول تنفيذ القرار 1559 خاصة لجهة البند المتعلق بنزع سلاح المقاومة (المليشيات). وكان لافتاً ان يميز أمين عام حزب الله في خطابه في تلك التظاهرة بين فرنسا التي توجه اليها لكي تنظر بعين الديمقراطية الى هذه الحشود التي تعبّر عن وجهة نظر اخرى بين اللبنانيين، والى الولايات المتحدة بلهجة التحدي والاتهام، أي ان المقصود هو تحييد الموقف الفرنسي بعد خروج سوريا من لبنان. وان يتم الإكتفاء بهذا القسم الذي تحقق من القرار الدولي، وان تكف فرنسا عن المضي في الضغوط لأن اللبنانيين غير موحدين تجاه قبول تلك الضغوط ما يعني ان المصالح الفرنسية نفسها هي ستكون موضع انقسام ايضاً. وكان لافتاً ايضاً المواقف الدولية التي اطلقت غداة تلك التظاهرة من فرنسا الى الولايات المتحدة، والتي تؤكد على الحضور الشعبي لحزب الله وتدعو الى إشراكه في الحياة السياسية اللبنانية.

كانت تلك التظاهرة هي الحجر الاول في الجدار الدفاعي الذي عمد حزب الله الى تشييده في مواجهة "الاعصار" الذي كان يتجه نحوه بعد إغتيال الرئيس الحريري وخروج القوات السورية من لبنان. إذ كان كل ما يحصل في داخل لبنان وخارجه يدعو الى الاعتقاد بان الامور تسير في اتجاهها المطلوب نحو تنفيذ القرار الدولي بشقيه  في حين كانت  التظاهرة، وما جاء على لسان امين عام حزب الله فيها، تهدف الى الفصل بين الدعوة الى خروج سوريا من لبنان وبين الدعوة الى نزع سلاح المليشيات (سلاح المقاومة) بحيث ظهر اعتراض حزب الله ليس على خروج سوريا وانما على طريقة ذلك الخروج، وعلى تثمين دورها في لبنان وشكرها على ما قامت به وعلى مستقبل العلاقة معها، اما سلاح المقاومة بعد خروج سوريا فأراد حزب الله ان ينزع النقاش بشأنه من يد القوى الخارجية وأن يضعه بين أيدي القوى اللبنانية، كحلقة ثانية من حلقات دفاعه بعد حلقة التظاهرة الاولى  

لقد كانت دعوة حزب الله الى التظاهرة ومشاركته الكثيفة فيها ، لمواجهة تظاهرات أخرى يقوم بها لبنانيون آخرون ،حول قضايا داخلية وإقليمية مثابة  إعلان من الحزب  عن انتقاله الى التدخل المباشر في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وفي قضاياها الخلافية بعدما كان الحزب يتجنب ذلك التدخل طية السنوات الماضية "حرصاعلى المقاومة "وها هو يقرر مثل هذا التدخل للسبب نفسه،أي "حرصا" على المقاومة"


د -   سلاح المقاومة : شأن لبناني

       ما ان وافقت سوريا على خروج قواتها من لبنان حتى بادر حزب الله الى جعل سلاح المقاومة قضية  اللبنانيين انفسهم، فدعا امينه العام في اكثر من مناسبة ولقاء الى الحوار حول كل المسائل، بما فيها السلاح الذي تحمله المقاومة والذي لم يكن الحزب سابقاً يقبل بأي إثارة له او مجرد الغمز من قناته. وشدّد السيد نصر الله على ضرورة التوافق بين اللبنانيين كافة حول سبل حماية لبنان وحول الأساليب المجدية لتلك الحماية والتي اراد ان يؤكد من خلالها على استمرار التهديد الإسرائيلي وعلى عدم استكمال تحرير الأراضي اللبنانية كافة  وقام السيد نصر الله بحركة سياسية مكثفة وسريعة لقيادات سياسية ودينية (التقى خلالها المفتي قباني والرئيس عمر كرامي، والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الامير قبلان    )  لنزع فتيل الاحتقان المذهبي الذي نُفخ فيه بعد اغتيال الرئيس الحريري، ولإبداء الاستعداد والحرص على التوافق بين اللبنانيين وعلى الوحدة الوطنية. كما قام الحزب فعلياً بمثل هذا الحوار مع الأطراف السياسية كافة لتقريب وجهات النظر الى "لبنانية سلاح المقاومة" والى المخاطر الداخلية الي ستنجم عن التركيز الخارجي على هذه القضية. وقد ساعدت التحولات المتسارعة التي كانت تحصل في تلك الفترة على قبول هذا الحوار واستمراره. فقد بدأت، كما اشرنا، المواقف الخارجية (الفرنسية تحديداً) تتحدث عن الحضور الشعبي الكثيف لحزب الله وعن ضرورة انخراطه الواسع في العملية السياسية. (شيراك : الحل في مشاركة حزب الله الكاملة في الحياة السياسية النهار 9/7/2005 ) كما كانت انظار الداخل والخارج تتوجه نحو الانسحاب السوري الذي بدأ من لبنان. اما ما هو اكثر فاعلية في تلك التحولات فهو اقتراب الانتخابات النيابية والاصرار الدولي على اجرائها في مواعيدها (في اول حزيران) وما تفرضه تلك الانتخابات من تحالفات لا يمكن تجاهل دور حزب الله وتأثيره الحاسم فيها في اكثر من منطقة.وهكذا بدأت اللقاءات مع حزب الله لبحث التحالفات الانتخابيه معه  وطبيعتها وشروطها، في حين جعل حزب الله  من مستقبل الالتزام بسلاح المقاومة احد الشروط الأساسية لتحالفاته التي نسجها في تلك الانتخابات.وهكذا بدل أن يكون سلاح المقاومة قيدا" على حزب الله في الانتخابات أصبح ذلك السلاح شرطا" يفرض على الاخرين





هـ - إستعراض القوة :

       لم يكتف حزب الله بالاطمئنان الى تحالفاته الانتخابية وحركته السياسية. بل عمد في إطار التأكيد على اولوية استمرار المقاومة بالنسبة اليه وفي فترة  الانتخابات نفسها الى ممارسة هذه الاولوية عملياً من خلال "حدثين" لافتين يتصلان بإبراز قدرة حزب الله على استخدام القوة في وجه إسرائيل:.

-                   الأول هو اعلان امين عام حزب الله في ذكرى تحرير الجنوب في 25 أيار 2005 في مدينة بنت جبيل ان اليد التي ستمتد الى المقاومة ستقطع لأنها ستكون يد إسرائيلية.

-                   الثاني هو الاشتباك مع دورية اسرائيلية في 29/6/2005 قال حزب الله أنها تجاوزت الحدود اللبنانية   في ما ردت قيادة الجيش الاسرائيلي الاشتباك الى محاولة حزب اله اختطاف جنود اسرائيليين  

هذا " الإستعراض للقوة" ، استهدف حزب الله من خلاله  تأكيد الفصل بين الإنخراط في العملية السياسية وبين إستمرار المقاومة، وأراد من جهة اخرى ان يقول ان اي توجه لبناني او غير لبناني لنزع سلاح المقاومة سيواجه بالعنف ولن يلقى هذا السلاح بسهولة كما يعتقد البعض. ما يعني دفع البلاد الى عدم الإستقرار حيث لا يدري احد كيف يمكن السيطرة عليه. في حين كانت الإدارة الدولية (الاميركية-الفرنسية) تتجه نحو اجراء الإنتخابات كمقدمة للتغيير الذي سيحصل في لبنان ( تنفيذ كامل بنود القرار 1559) عبر المؤسسات وليس عبر الشارع او الفوضى.

.

 ان المسألة  التي ساعدت حزب الله أيضا" في "حماية سلاحه" ان القرار 1559 نفسه لم يحدد الوسائل او الادوات او الجهات المحلية او الدولية التي ستقوم بتنفيذ هذه المهمة. ما سمح لمن يريد تجاهل تنفيذ هذا الشق من القرار ان يفعل ذلك. وكذلك لمن راى في تأجيله فرصة مناسبة. او لمن اعتبر الحل الامثل هو في النقاش الداخلي الذي يفترض ان يقود الى " التوافق" حول مسقبل هذا السلاح. وهكذا فان القرار 1559الذي اراد ان يغلق الأبواب على سلاح المقاومة ترك في الوقت نفسه النوافذ مفتوحة امام هذا السلاح وحامليه والناظرين اليه، لتنشق الهواء الذي يمده بالحياة، ويمنعه من الاختناق  من دون ان يكون لدى صناع ذلك القرار او لدى مؤيديه قدرة على اغلاق تلك النوافذ او على اغلاق الابواب بإحكام على هذا السلاح.


ز- وحدة الشيعة :

       حاولت قوى "المعارضة اللبنانية" لرئيس الجمهورية و "للنظام الأمني" والمؤيدة لإنسحاب سوريا من لبنان ان تميز بين حزب الله وبين حلفاء سوريا الآخرين وحلفاء رئيس الجمهورية إميل لحود. فتوجهت الى الحزب بالتقدير والاحترام ولكن لتدعوه الى البقاء على الحياد وعدم الالتحاق بأي من جبهتي المواجهة المعارضة لسورية والمؤيدة لها( بطرس حرب: نتمنى الا يجري إقحام حزب الله في الزواريب الداخلية وألا يدخل في عملية التجاذب الداخلي ويصبح طرفا" سياسيا" الديار 12/3/2005) علما"  بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط دعا أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله اكثر من مرة الى الالتحاق بالمعارضة وبالمتظاهرين في ساحة الشهداء، ولم تحظ حركة امل ولا رئيسها نبيه بري بمثل تلك الدعوة او ذلك التقدير باعتبارها في "المعسكر" الآخر، التابع لسوريا، أي ان المفترض بحسب ذلك التمييز بين القوتين الشيعيتين ان تكون واحدة منها مستهدفة (حركة امل) والاخرى على الحياد(حزب الله)  وربما كانت الرغبة في تحييد هذا الأخير مصدرها الخشية من قدرة الحزب التنظيمية ومقدرته الواسعة على الحشد الشعبي، والتأييد الذي يحظى به، ومن وضع تلك القدرات كافة في "ساحة المواجهة" ضد قوى المعارضة بتلاوينها المختلفة.


       لم يؤخذ حزب الله بتلك الدعوات لأنه كان يدرك تماماً ان التحولات التي تحصل في لبنان من صدور القرار 1559 الى خروج سوريا، انما كانت تستهدفه اولاً واخيراً. وان ما حصل لم يكن سوى المقدمات الضرورية لتصبح الطريق اليه من دون عقبات  وادلة ذلك بالنسبة الى حزب الله : الإصرار الدولي في تلك الفترة على تنفيذ الـ 1559 كاملاً، و"الصفقة" الفرنسية – الاميركية التي اخرجت هذا القرار الى النور وحصل فيها الفرنسيون على بند خروج سوريا من لبنان، والاميركيون على نزع سلاح المليشيات...

لم يلتفت حزب الله الى كل الإطراء الذي سمعه من اطراف المعارضة اللبنانية ولا الى امتداح دوره في المقاومة، وضرورة الابتعاد بهذا الدور عن الواقع الداخلي المتحرك ، ليس فقط لنه لم يكن مقتنعاً بأسباب ذلك الإطراء الذي يدعوه الى "الحياد" والتفرج على ما يحصل بإنتظار جلاء غبار المواجهة بين الاطراف اللبنانية حول القرار الدولي وحول خروج سوريا وحول السلطة واجهزتها. بل لأنه كان يدرك ايضاً ان هذا الإطراء هو إطراء تفاضلي في داخل الطائفة الشيعية (مع حركة امل) من جهة، وان هذا الإطراء إذا استجاب له حزب الله من جهة ثانية يعني إخراج الحزب من بحر الطائفة الذي يسبح فيه ويستمد منه قوته.ولأن التعامل معه كحالة داخل هذه الطائفة، متمايزة عن الحالة الأخرى (حركة امل) التي تتعرض للهجوم وللإتهام المباشر وغير المباشر، يعني إنقسام الطائفة الشيعية الى قسمين مختلفين على مستقبلهما ومصيرهما وربما عودة التوتر بينهما، في حين كانت كل المتغيرات  من تصريحات ساترفيلد حول منع حلفاء سوريا وايران من التدخل في الانتخابات، الى المناخ المذهبي السني الذي ساد بعد إغتيال الحريري، وبعد تظاهرة 8 آذار في ساحة رياض الصلح، الى حالة الغليان ورص الصفوف الطوائفية... تدعو حزب الله وحركة امل، وقيادات اخرى الى "توحيد الموقف"  ولم يكن حزب الله ليتردد ازاء "حتمية" هذا الخيار التوحيدي للطائفة الشيعية  ولم تكن دعوات تهميش حركة أمل أو عزلها لتنطلي عليه  لأن الوجه الآخر ،أو الحقيقي لهذا المشروع هو تهميش حزب الله والقضاء على سلاحه بعد تحييده كما كان يؤكد صانعو القرار 1559  . أي ان النتيجة المفترضة (أو المطلوب’)  هي تهميش الشيعة بقوتيهما الأساسيتين البارزتين سياسياً وميدانياً، حركة امل وحزب الله،

 وهكذا كان، وللمفارقة، خيار حزب الله ،   والقيادات الشيعية الأخرى  "وحدة الموقف" ، إستجابة "لوحدة التهميش" التي ذهب الآخرون نحوها في الداخل والخارج  ولم ينتبه الكثيرون  الى التأثير المعاكس الذي أحدثه  مشروع  التهميش المفترض على الشيعة   الذي أيقظ ذاكرتهم  المثقلة بكل أنواع التهميش السياسي والاجتماعي والتعليمي والتنموي في لبنان. والتي لم تتخلص منها مناطقهم كافة، ولم تبرح وجدانهم على الرغم من كل ما حققوه من تقدم على هذا الصعيد   حتى بات الحديث عن "إستحالة العودة الى الماضي" يتردد على ألسن الكثيرين في أوساط الشيعة وبيوتهم  والمقصود بالماضي هو تلك الحقبة من إستضعاف الشيعة وتهميشهم في لبنان قبل نحو نصف قرن .

وعندما اختار حزب الله "وحدة الطائفة" اراد ايضاً ان يجعل أي بحث في سلاح المقاومة مساً بقدرة الطائفة ككل، بدل ان يكون هذا البحث في مستقبل حزب او فريق لا يمثل إلاّ نفسه، فيسهل بعدها عزله او البحث في مصيره. ولم يكن من العسير حصول تلك الوحدة في ظل إنشداد الطوائف الأخرى الى نفسها واصطفافها حول قيادتها. ولم يقتصر امر الوحدة على امل وحزب الله ، بل تم تذليل عقبات التواصل بين مرجعية السيد محمد حسين فضل الله والمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، فبادر الشيخ عبد الامير قبلان نائب رئيس المجلس الحالي الى زيارة السيد فضل الله في دارته، ورد السيد تلك الزيارة الى المجلس الشيعي، اعلاناً عن نهاية القطيعة الموروثة بين المرجعيتين منذ ايام المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين. حتى ان السيد نصر الله دعا لاحقاً في (8/7/2  5 ) وفي ذكرى تأبين حسن سلهب احد شهداء المقاومة من بلدة بريتال الشيح صبحي الطفيلي نفسه الى تجاوز ما مضى، ممتدحاً تجربته السابقة، لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الجميع   وترافقت حركة توحيد الموقف الشيعي مع أخرى مماثلة لنزع عناصر الإحتقان في "الموقف الإسلامي" مع السنة، فحصلت اللقاءات الموسعة بين العلماء من الطرفين وبين المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى ودار الفتوى، وتحرك "تجمع" العلماء المسلمين على الخط نفسه...، وهكذا وبدل إستراتيجية "كسر الاناء" الذي يسبح فيه حزب الله ليصبح وحيداً، بادر هذا الأخير الى إستراتيجية "توسيع الإناء" وحمايته ليضم الجميع، فيصبح اكثر صلابة ويتعذر كسره، او اصطياد من في داخله.


حـ - التحالفات الانتخابية/السياسية:

       ما ان استقرت " الموجة" الأولى من الضغوط الخارجية على خروج الجيش السوري من لبنان حتى بدأت "الموجة" الثانية من الضغوط لإجراء الانتخابات في مواعيدها من دون اي تأخير، وبغض النظر عن القانون الانتخابي المعتمد، ظناً بأن مناخ العداء لسوريا ولحلفائها يجب ان يستكمل في الانتخابات ايضاً التي يفترض ان تحصل في وقت مبكر حتى تمنع هؤلاء الحلفاء من العودة مجدداً الى الندوة البرلمانية  لأن اي تأجيل مفترض يهدد بتبديد ذلك المناخ، وربما يهدد بعدم حصول تلك الانتخابات اصلاً إذا ما بدأ النقاش حول طبيعة القانون الانتخابي الذي سيعتمد  وعليه ستكون اولى مهمات المجلس النيابي الجديد إثارة قضية سلاح المليشيات اي تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 وهو ما ألمح اليه اكثر من مسؤول اميركي في تلك الفترة.( السفير الاميركي فيلتمان: سنسعى مع الشخصيات السياسية اللبنانية لمحاولة تطبيق هذا القرار   الأنوار 6/7/2005)

إلاّ ان حقل الداخل الانتخابي لن ينطبق على بيدر الخارج وحساباته "فالجغرافيا-الطائفية" و الديمغرافيا-الطائفية" ستكون من اشد عوامل التأثير على طبيعة التحالفات الانتخابية التي سينسجها معظم الاطراف والقوى السياسية في لبنان، تارة بعيداً من القرار الدولي وطوراً بعيداً من سوريا وحلفائها. كما فعل الجنرال ميشال عون على سبيل المثال وهو من أبرز المعارضين لسوريا التي كانت خلف نفيه الى فرنسا خمسة عشر عاماً عندما "اضطر" الى التحالف الانتخابي مع رموز بارزة من حلفاء سوريا مثل طلال ارسلان، في الشوف وسليمان فرنجية وعمر كرامي في الشمال...

ان "الخارج" الذي نجح في تكثيف الضغوط الدولية والداخلية على سوريا فأخرج جيشها من لبنان، لم يكن بمقدوره تغيير اماكن انتشار الطوائف، او عدد افرادها او حجم الناخبين فيها على الرغم من "نصائح" السفراءالمتلاحقة في تشكيل اللوائح... ولم يكن بمقدور "الخارج" ان يمنع تأثير "الجغرافيا-الطائفية" و "الديمغرافيا-الطائفية" على مصير لوائح بأكملها، كما حصل على سبيل المثال في دائرة بعبدا-عاليه عندما فازت لائحة تحالف الحزب التقدمي-الاشتراكي وتيار الحريري، بأصوات الناخبين الشيعة او عندما خسرت لائحة تحالف عون- فرنجية في الشمال بأصوات الناخبين السنة... لكن "الداخل" ، اي القوى والشخصيات السياسية والاحزاب والمنظمات والطوائف كانت تدرك تماماً تلك الخصوصية التي لا يستطيع احد تجاهلها، او حتى تجاوزها في تحالفاته الانتخابية. وهكذا سيكون لوحدة امل وحزب الله دورها المهم في وحدة الكتلة الشيعية الناخبة في كل مناطق وجود الشيعة من بيروت والضاحية الجنوبية الى الجنوب والبقاع، والتي ستؤثر بشكل واضح على فوز اللوائح التي ستتحالف معها في  تلك المناطق.كافة  

كان هاجس حزب الله الانتخابي، مثل الهاجس الاميركي تماماً، أي طبيعة المجلس النيابي الجديد وجدول الاعمال الذي سيطرحه عند أول إلتئام له  (القرار 1559 ونزع سلاح المليشيات). ولهذا جعل حزب الله ومعه حركة امل من هذا الهاجس قاعدة اساسية لتحالفاتهما الانتخابية (التي سيعتبراها تحالفات سياسية) مع الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار الحريري(التحالف الرباعي) ، بمعنى ان هذا التحالف الذي سيضم الأكثرية النيابية لن يكتفي بعدم الدعوة الى تطبيق القرار الدولي، بل سيتبنى ايضاً "حماية المقاومة" واستمرارها لتحرير ما تبقى من اراضي لبنان المحتلة (مزارع شبعا)، وهو ما سيظهر في البيان الوزاري لأول حكومة بعد الانتخابات (حكومة الرئيس السنيورة). كما سيذهب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ابعد من مزارع شبعا، في اعتباره المقاومة وسلاحها ضرورة استراتيجية  وجزءا" من أمن سوريا (السفير 9/4/2005).

وقد أثارت هذه "الاستراتيجية" الانتخابية-السياسية التي التزمها حزب الله وحركة امل، تساؤلات وانتقادات في أوساط مختلفة . فسأل البعض كيف يقبل حزب الله المشاركة في لائحة بيروت مع تيار الحريري وفي تلك اللائحة سولانج الجميل زوجة القائد السابق للقوات اللبنانية بشير الجميل ورئيس الجمهورية الذي انتخب تحت الاحتلال الاسرائيلي لبيروت عام 1982؟ واستغرب آخرون كيف يتخلى حزب الله وحركة امل عن حليف سوريا طلال ارسلان في دائرة بعبدا-عاليه ، وتذهب اصواتهما الى اللائحة المنافسة له وللعماد عون، أي لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار الحريري وفيها ايضاً عضو بارز في القوات اللبنانية، هو جورج عدوان؟ وقيل ايضاً لم لا يتحالف حزب الله مع تيار العماد عون وهما قوتان اساسيتان لم تتلوثا بفساد المرحلة الماضية وقادرتان على قيادة المشروع الاصلاحي الذي يحتاج اليه لبنان... اما أشد التساؤلات استغراباً واستنكاراً فكانت من تيار العماد عون نفسه ضد ما اعتبره امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله "تكليفاً شرعياً " التصويت للائحة التي يدعمها الحزب، في مواجهة لائحة تحالف عون-ارسلان بعد هزيمة هذه الأخيرة ، فقيل بأن هذه الدعوة هي تحريض طائفي، وهي توظيف للدين في المجال السياسي الانتخابي.

لم يكن حزب الله ليغفل عن تلك التساؤلات كافة ومبرراتها السياسية والنفسية الموروثة من الحرب الأهلية وذاكرتها المثقلة بقساوة ما ارتكبه بعض الاطراف في تلك الحرب. الا ان خيارات حزب الله لم تعد كما كانت في السابق والتهديدات التي تتجه نحوه ونحو دوره باتت شديدة ومباشرة بعد انسحاب سوريا من لبنان. وسيف القرار 1559 مسلط على المقاومة و "الخارج" يستعجل اجراء الانتخابات كممهد لإستلال ذلك السيف ويتدخل في تشكيل بعض اللوائح وترتيب التحالفات ، التي ليس لحزب الله القدرة على منعها او على التأثير فيها. وقد سبق لحزب الله ان قدم نفسه قوة مستعدة للحوار مع جميع اللبنانيين حول كل القضايا (بما فيها سلاح المقاومة) من دون اي شروط، بعدما وجد نفسه ايضاً معنياً بكل تفاصيل العملية الانتخابية التي كان العبء الأكبر في ادارتها يقع على "الكاهل السوري" في المرحلة الماضية  خاصة وان هذا الانتقال التام من مرحلة الى مرحلة، قد حصل خلال اقل من شهرين فقط بعد قرار سوريا الانسحاب من لبنان في آذار 2005 الى حين تنفيذ ذلك القرار في نيسان 2005، أي ان حزب الله لم يكن بمقدوره الاعتراض على من يدخل اللوائح الأخرى، ولم يكن بمقدوره ان يمنع المعادلة الجديدة التي نشأت في لبنان بعد رحيل القوات السورية وانكفاء النفوذ السوري، والتي سمحت بإعادة الاعتبار لتيار القوات اللبنانية وإخراج قائده سمير جعجع من السجن، وبتحالف هذا التيار مع الحزب التقدمي الاشتراكي ومع تيار المستقبل.

في خضم هذه المعادلة الجديدة والمعقدة والمتسارعة من التحالفات والضغوط الخارجية والحسابات الداخلية، وانتقال اشخاص وتيارات من الظل الى الضوء، و "الرعاية الدولية" للإنتخابات كان هاجس حزب الله الاساس، هو البند المتعلق بنزع سلاح المليشيات في القرار 1559 أي مستقبل المقاومة في لبنان وموقع هذا الأخير في الصراع الإقليمي مع إسرائيل... أما "التفاصيل" الاخرى، مثل من يدخل هذه اللائحة التي سيتحالف معها حزب الله فلم يعد مهماً حيناً، ولم يعد ممكناً كما اشرنا حيناً آخر طالما ان التيار السياسي (تيار المستقبل، او الحزب التقدمي الاشتراكي) الذي شكل هذه اللائحة قد توافق مع حزب الله على استمرار المقاومة وعلى عدم الالتزام بتنفيذ القرار الدولي 1559، وعلى "الحوار الداخلي" بين "اللبنانيين" ...

على ضوء هذا الهاجس يمكن ان نفهم لماذا لم يتحالف حزب الله مع العماد ميشال عون على الرغم من "قنوات الحوار" المفتوحة بين الطرفين، ومن التعاون السابق في انتخابات نقابية ومهنية عدة. ذلك ان حزب الله إما انه لم يحصل من العماد عون على التأكيد الموثوق بشأن سلاح المقاومة، وإما انه يعتبر العماد عون من الداعمين لهذا القرار عند صدوره، كما أعلن هو نفسه اكثر من مرة.  وللسبب نفسه نفهم لماذا "خسر" حزب الله حلفاء سابقين أمثال طلال ارسلان وسليمان فرنجية عندما تحالف هؤلاء مع تيار العماد عون... ولماذا كان يواصل الحزب التأكيد طيلة حملاته الانتخابية ان تحالفاته هي سياسية بالدرجة الاولى وليست تحالفات انتخابية...

ثمة بُعد آخر لا يمكن إغفال أهميته في تحالفات حزب الله وهواجسه هو البُعد المذهبي الذي حرص حزب الله على تنفيس إحتقانه منذ إغتيال الرئيس الحريري، ولهذا لم يكن يريد الحزب ان يكون ضد تيار الرئيس الحريري ولم تتعارض هذه الرغبة في الوقت نفسه مع هاجس حمايةالمقاومة واستمراريتها

ولا ينبغي ان نلتفت الى "التحالف السياسي-الانتخابي" لحزب الله من وجهة نظره  هو فقط ، فالتوافق الذي اراده الحزب لعقد ذلك التحالف مشروطاً(بشرعية المقاومة)، تمت الموافقة عليه من "الحلفاء"  بسبب قوة حزب الله الانتخابية في اكثر من دائرة، وحاجة هؤلاء الحلفاء الى "اصوات الشيعة" التي ستؤثر على مستقبل اللوائح التي يقودونها ، أضف الى ذلك التراخي الدولي في ما يتعلق "بنزع سلاح المقاومة" لتعذر الوسائل المناسبة لتنفيذه... وهذا يفسر كيف صمتت تقريبا" كل  القوى والشخصيات (المؤيدة للقرار 1559 ) صمتا" تاما"عندما أعلن السيد نصر الله في بيروت قبل الإنتخابات ان اليد التي ستمتد الى المقاومة ستُقطع لأنها ستكون يداً اسرائيلية. علما" بأن معظم تلك الشخصيات لم يكن ليترك مناسبة تفوته  من دون التعريض بالمقاومة وبسلاحها  أوكيف خيم الصمت نفسه على كل القوى السياسية عندما اشتبكت المقاومة مع دورية اسرائيلية، على الحدود اللبنانية وذهب ضحية ذلك الاشتباك احد المقاومين وقتل فيه جندي اسرائيلي     

وستؤكد الانتخابات في دائرتي بيروت وبعبدا-عاليه ما كان يتوقعه الجميع من حجم تأثير "الناخب الشيعي" على لوائح "الحلفاء" الذين ارتهن مصيرهم، كما سبق وأشرنا، في تلك الدائرة، بهذا "الناخب" الذي لو ذهبت اصواته الى لائحة الجنرال عون لحصد هذا الأخير عشرة مقاعد إضافية في المجلس النيابي، ولخسر وليد جنبلاط هذه المقاعد، ولتبدلت كثيراً احجام القوى والتيارات في المجلس النيابي. وهذا ما لم يكن يريده حزب الله ولا حركة امل. وهو مبرر خيارهما التحالف مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي...


إنتخابات الجنوب

       لم تكن هذه الانتخابات بالنسبة الى امل وحزب الله مثل سابقاتها، ولم يكن التحالف  بين الطرفين  فيها، مجرد خيار طوعي انتخابي  لأن هذه الانتخابات التي أرادها الطرفان "إستفتاء لحماية المقاومة" كانت تتويجاً لمسار من السياسيات الدفاعية  والتعبوية،منذاغتيال الرئيس الحريري في الرابع عشر من شباط ، وبعد الخروج السوري المدوي من لبنان   كانت الانتخابات هي ذروة ذلك المسار، والوعاء الذي ستصب فيه حركة حزب الله المتدرجة بمستوياتها كافة ، الدفاعية والهجومية من تظاهرة الثامن من آذار، الى الحوار الداخلي حول سلاح المقاومة وحماية لبنان، الى وحدة الموقف الشيعي، الى تهديد من يمس سلاح المقاومة، الى  قنوات الحوار مع القيادات السياسية والطائفية كافة... وصولاً الى تحالفاته السياسية-الانتخابية.

ومن المهم التذكير مرة إضافية ان "الشيعة" عموماً لبوا نداءهذه  الانتخابات استجابة لقرع طبول التعبئة والوحدة والاستفتاء من اجل المقاومة، التي قام بها حزب الله وحركة امل معاً، لكن هذه الاستجابة كانت في الوقت نفسه  ردا" على المناخ الاتهامي – الاقصائي للشيعة الذي تشكلت ملامحه منذ اغتيال الرئيس الحريري وبعد خروج سوريا من لبنان

إذاً ذهب "الشيعة" الى الانتخابات في الجنوب وهو يريدون فعلاً الاستفتاء ليس فقط على خيارهم بالنسبة الى سلاح المقاومة، وانما على تماسكهم وقوتهم، وبإختصار على وجودهم في مقابل الاستفتاء نفسه الذي قامت به الطوائف والمذاهب الاخرى قبل الانتخابات وفي اثنائها.




دلالات الإقتراع

-                   لا يكفي عندما نريد ان نفهم اسباب تصويت الجنوب الى "خيار المقاومة" ، ان نكتفي فقط بالبعد الإستفزازي  الذي أشعر بالتهديد او بإضعاف مكانتهم في الواقع اللبناني، على الرغم من أهمية ذلك وربما اولويته بالنسبة الى قسم كبير من الناخبين في الجنوب. الا ان عوامل اخرى ترافقت مع ذلك التصويت الكثيف "لخيار المقاومة":

-                   فمعظم الجنوبيين، من يعيش فيهم في عمق القرى الأمامية او في قرى ومدن اخرى وصولاً الى الشاطيء الساحلي، اكتشفوا ان الحماية الحقيقية التي حصلوا عليها بعد عقود طويلة من معاناة القصف والتهجير والعدوان الاسرائيلي المتكرر عليهم وعلى ارزاقهم وممتلكاتهم كانت من المقاومة ومن قدرة حزب الله تحديداً على تحقيق توازن ردع متبادل بقصف المدنيين، الذي كرسه تفاهم نيسان منذ عام 1996. فقبل ذلك التاريخ  كان القسم الاكبر من سكان الجنوب من دون اي حماية فعلية لا اثناء تجربة "المقاومة الفلسطينية" التي اصطدمت قبل بضع سنوات من الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 باولئك السكان، وباتت بالنسبة اليهم قوة قهر وتسلط،  ولا بطبيعة الحال بالنسبة الى الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة.  ولم يكن بمقدور الجيش اللبناني تاريخياً ان يردع تلك الاعتداءات، او ان يرد عليها بالمثل.  وجل ما كانت تفعله السلطة السياسية هو الشكوى الرسمية الى الهيئات الدولية التي لم تغيّر بالنسبة الى الجنوبيين واقع معاناتهم المتواصل (مثل صدور القرار 425 قبل نحو 22 سنة على التحرير) ولهذا كان دافع هؤلاء الناس الى التصويت "لخيار المقاومة" على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية، هو قناعتهم التامة بأنهم يصوتون لحماية انفسهم واولادهم ولحماية "الاطمئنان" الذي حصلوا عليه بوجود تلك المقاومة. ولهذا كان يتردد على ألسنة الكثيرين في الجنوب في اثناء الانتخابات لماذا يطلبون منا ان نتخلى عن مصدر حمايتنا"؟ ومن هو البديل القادر على توفير تلك الحماية"؟ " لانريد إستعادة ذاكرة الخوف من القصف المفاجيء على مدارس اولادنا وعلى بيوتنا..."

-                    ان دافع التصويت الفعلي "لخيار المقاومة" بالنسبة الى معظم الجنوبيين هو ادراكهم لدور المقاومة المباشر في حمايتهم هم قبل اي إدراك لدور هذه المقاومة في المعادلة الاقليمية وفي الصراع العربي الاسرائيلي او في عملية التسوية الشاملة في المنطقة.  في حين ان قسماً آخر من الناخبين اقترع "للمقاومة" على خلفية هذا البعد الاقليمي قبل اي اعتبارات اخرى.

-                   ان نسبة الاقتراع في انتخابات الجنوب في الدورات السابقة كانت دائماً مرتفعة قياسا الى المناطق الاخرى في لبنان. الا ان حجم الاقبال على التصويت في الدورة الحالية(2 05) سيكون له دلالة اخرى اشد اهمية واكثر خطورة من اي انتخابات سابقة منذ عام 1992 "فالإستفتاء حول المقاومة" الذي رفعه حزب الله وحركة امل شعاراً للانتخابات سيعني ان نسبة التصويت الضئيلة هي استفتاء ضعيف على تلك المقاومة، وان هذه الأخيرة في واد ومن تنتمي اليهم ، او تدعي الدفاع عنهم في آخر . وهذا سيمنح من يتهم حزب الله بأنه منظمة ارهابية(غير شعبية) ينبغي نزع سلاحها، قوة المضي في هذا الاتهام ومزيداً من محاولات العزل والتضييق.  ولهذا عندما فازت اللوائح التي شكّلها حزب الله وحركة امل( وكان فوزاً متوقعاً) تم في المؤتمرات الصحافية التي عقدها الطرفان، إبراز نسبة التصويت المرتفعة التي قاربت نحو خمسين في المئة في المناطق كافة، (على الرغم من مقاطعة الجماعة الإسلامية والتيار العوني ترشيحاً واقتراعاً، وفوز عدد من النواب بالتزكية.)  كما تم التركيز بعد اعلان النتائج على الفارق الكبير بين مجموع الاصوات التي حصل عليها آخر الرابحين واول الخاسرين في اللوائح المنافسة. وقد تجاوز هذا الفارق في الدائرة الاولى (أقضية صيدا والزهراني وصور وبنت جبيل) مئة وثلاثين الف صوت وفي الدائرة الثانية (اقضية النبطية وجزين ومرجعيون وحاصبيا) نحو تسعين الف صوت. وتبين ايضاً من خلال النتائج ان نسبة المشاركة في مدينة صيدا التي فاز مرشحوها بالتزكية (بهية الحريري واسامة سعد) قد بلغت نحو 45% وان القرى المسيحية في مدينة صيدا ايضاً اقترعت بنسبة 31% وفي جزين وعلى رغم فوز نوابها بالتزكية ودعوات المقاطعة فقد بلغت نسبة الاقتراع نحو 22% اي نسبة الاقتراع نفسها في دورة عام 2000.

وسيتحدث قادة حزب الله بعد تلك النتائج بمزيد من الثقة والقوة عن ارتباط هذا الاستفتاء الشعبي الواسع (الديمقراطي) بالتمسك بخيار المقاومة وسلاحها، وهو ما اشارت اليه وكالة رويترز بعد اعلان النتائج بقولها "ان التصويت لمصلحة حزب الله الذي تعتبره الولايات المتحدة جماعة ارهابية يمثل تصويتاً بالموافقة على احتفاظه بسلاحه للتصدي لإسرائيل التي احتلت الجنوب 22 عاماً حتى عام 2000". كما ذهبت وكالة الصحافة الفرنسية الى الإستنتاج نفسه عندما قالت "ان تحالف امل-حزب الله حقق وفق النتائج الرسمية انتصاراً ساحقاً في الانتخابات... جيّره فوراً لمصلحة الحفاظ على سلاح المقاومة ضد اسرائيل الذي تطالب الأمم المتحدة بنزعه" ولا بد ان يعني هذا "التصويت الشعبي الواسع" في نظر الكثيرين داخلياً ودولياً ان أي محاولة "لنزع سلاح المقاومة" ستؤدي الى إخلال بالتوازن الداخلي الذي كرس لحزب الله وحركة امل موقعهما الحصري من دون اي منازع على الاطلاق في ذلك التوازن بين الطوائف اللبنانية، الذي لا يرغب احد في الاطاحة به في مرحلة "إعادة تشكيل لبنان" بعد إغتيال الرئيس الحريري.


لقد تبين عبر " الإستفتاء" الجنوبي على "خيار المقاومة" ان التنظيمين الأساسيين ، أي حركة امل وحزب الله اللذين جعلا من هذا الإستفتاء شعاراً وهدفاً للإنتخابات ، هما اكبر تنظيمين واكثرهما شعبية في اوساط شيعة الجنوب(والشيعة عامة) ولا منافس جدي لهما خاصة اذا اتحدا، ومهما قيل في حجم تمثيل بعض الشخصيات او الأحزاب السياسية (مثال المهندس رياض الاسعد، او الحزب الشيوعي اللبناني، او حركات اليسار والحركات الديمقراطية الأخرى، او آل الخليل او آل الأسعد....) فإن ذلك الحجم يبقى محدوداً قياساً الى قدرة وشعبية حزب الله وحركة امل في مناطق الجنوب كافة. (علماً بأن تحالف امل-حزب الله ضم ايضاً الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وممثلي العائلات ايضاً). ولا يفوتنا ايضاً ان قانون الانتخاب الذي اعتمد الدوائر الكبرى(الجنوب دائرتين) لم يسمح لبعض الشخصيات او القوى المعروفة في مناطق معينة على رغم حصولها على نسبة اصوات مقبولة الإلتحاق بعداد الناجحين في الانتخابات  ولهذا ان إلتزام اعضاء حزب الله وحركة امل التام وانصارهم ومؤيديهم بالإقتراع للوائح المشتركة في الدائرتين هو الذي يفسر تلقائياً نجاح تلك اللوائح، وفشل لوائح المرشحين الآخرين.وفي مقابل ذلك يرد البعض مثال النائب السابق حبيب صادق نجاح تلك اللوائح الى ثلاثة عوامل : انقلاب قوى المعارضة على ذاتها، وتشتت قوى اليسار وتناقضاتها، والاستنفار الطائفي المذهبي (راجع حبيب صادق ، صراع المصالح والارادات في معركة الانتخابات النيابية 2005، دار الاقلام، بيروت، 2005)  

ما يعني ان تمثيل الجنوب الفعلي قد حسم لمصلحة حركة امل وحزب الله من دون اي تردد ومن المستبعد ، حتى مع تغيير قانون الانتخاب واعتماد النسبية على سبيل المثال، ان تتغير طبيعة هذا التمثيل تغيراً جوهرياً.


التقسيمات الإنتخابية في الجنوب

       قسم القانون الانتخابي للعام الفين، الجنوب الى دائرتين إنتخابيتين، لكن وبصورة استثنائية جرت الانتخابات في ذلك العام على اساس الجنوب دائرة انتخابية واحدة، لأن اقرار القانون جرى قبل التحرير من الاحتلال الذي تحقق في الرابع والعشرين من ايار.عام 2000

       الدائرة الاولى في الجنوب تضم أقضية صيدا، الزهراني، صور، وبنت جبيل.

       الدائرة الثانية تضم اقضية النبطية، جزين، مرجعيون وحاصبيا،   ان التقسيم الانتخابي لهاتين الدائرتين يختلف عن التقسيم الاداري لمحافظتي الجنوب والنبطية، ففي التقسيم الاداري تتبع جزين لمحافظة الجنوب فيما تتبع بنت جبيل لمحافظة النبطية.

تضم الدائرة الاولى في الجنوب اثني عشر مقعداً نيابياً على الشكل التالي:

       في قضاء بنت جبيل ثلاثة مقاعد شيعية

       في قضاء صور اربعة مقاعد شيعية

       في الزهراني ثلاثة مقاعد، اثنان للشيعة وواحد كاثوليكي

       في صيدا مقعدان للسنة

اما في دائرة الجنوب الثانية فتضم احد عشر مقعداً على الشكل التالي:

       في قضاء النبطية ثلاثة مقاعد للشيعة

       في قضاء جزين : ثلاثة مقاعد، اثنان للموارنة ومقعد كاثوليكي

       في مرجعيون وحاصبيا خمسة مقاعد، اثنان للشيعة، واحد للأرثوذكس، مقعد سني ومقعد درزي.

يبلغ عدد المقاعد النيابية في دائرتي الجنوب ثلاثة وعشرين مقعداً.

       أربعة عشر مقعداً شيعياً، ثلاثة للسنة، مقعد للدروز، اثنان للموارنة، اثنان للكاثوليك، ومقعد للارثوذكس.


عدد الناخبين

       يتجاوز عدد الناخبين في الجنوب الستمئة الف ناخب، الشيعة نحو اربعمئة وستين الفا، السنة قرابة ستة وسبعين الفاً، الدروز ثلاثة عشر الفاً، الموارنة ستة وستين الفاً، الكاثوليك خمسة وثلاثين الفا، الارثوذكس احد عشر الفاً.

       أما في توزيع الناخبين في الدائرة الاولى في الجنوب التي تضم صيدا الزهراني وبنت جبيل، فياتي على الشكل التالي:

       شيعة قرابة المئتين والسبعين الف ناخب، السنة قرابة الثلاثة والخمسين الفاً، كاثوليك اربعة وعشرين الفاً، الموارنة اثنين وعشرين الفاً.

       يبلغ العدد الاجمالي للناخبين في دائرة الجنوب الاولى ثلاثمئة وتسعة وستين الف ناخب، اما في دائرة الجنوب الثانية التي تضم اقضية النبطية، جزين،مرجعيون وحاصبيا فهو على الشكل التالي:

       الناخبون الشيعة مئة واربعة وثمانون الفا، الناخبون السنة اثنان وعشرون الفا، الدروز ثلاثة عشر الفا، الموارنة واحد واربعون الفا، الارثوذكس احد عشر الفا، وعليه يبلغ العدد الاجمالي للناخبين في دائرة الجنوب الثانية قرابة المئتين والاربعة والثمانين الف ناخب.


نتائج الإنتخابات :

       وفرت الانتخابات في الجنوب(ومن بعدها في البقاع‘) لحزب الله في المقام الاول، التفافاً شعبياً واسعاً حول السلاح الذي يحمله، والذي اراد القرار 1559 نزعه . فشعار "الإستفتاء حول المقاومة" الذي رفعه التحالف الانتخابي لحزب الله وحركة امل في جنوب لبنان، حقق الهدف الذي أريد منه. ووقف الجنوبيون الى جانب هذا الخيار بالطريقة "الديمقراطية" التي كرر المجتمع الدولي اصراره على تحققها في الانتخابات النيابية اللبنانية التي تمت هذه المراة بإشرافه المباشر. وهكذا سيخرج حزب الله اشد قوة بعد الانتخابات في الجنوب. وسيظهر خطأ من كان يراهن على تراجع شعبية الحزب، اوعلى مسارعته الى إلقاء سلاحه، أو على تأثير الضغوط الاميركية والدولية على تلك الشعبية   وهكذا سيبدو ان سلسلة الخطوات التي اتخذها حزب الله في مسار مواجهة الشق المتعلق بنزع سلاحه في القرار 1559 ابتداء من تظاهرة 8 آذار مروراً بالدعوة الى النقاش الداخلي حول سلاح المقاومة وحماية لبنان، الى وحدة الطائفة،.... قد بلغ ذروته في الانتخابات التي دفعت جميع القوى السياسية في لبنان وحتى في الخارج، الى التريث في قضية سلاح المقاومة، بالدعوة حيناً الى تأجيل هذا الملف الى وقت لاحق، والى الإقرار غير المباشر بإستحالة تحقيقه، من خلال مطالبة بعض "الزوار الاميركيين" الى لبنان تحديد "مهلة زمنية" لبدء الحوار المفترض مع حزب الله حول سلاحه، وبالإعتراف بشعبية الحزب حيناً آخر، كما ذهب الى ذلك الرئيس الفرنسي مع تشجيعه على انخراط الحزب بقوة في الحياة السياسية، تمهيداً للتخلي عن سلاحه  في حين كان رد الفعل الاميركي على نتائج انتخابات الجنوب، ان تلك النتيجة (فوز الحزب والتأييد الشعبي الواسع له)لن تغيّر من نظرة الولايات المتحدة الى حزب الله بإعتباره حزباً ارهابياً   ( موقفنا لم يتغير من حزب الله    نعرف أن لديه تاريخ دموي –مؤتمر صحافي لكوندوليزا رايس في بيروت في 23/7/2005)

لقد كانت مشاركة حزب الله في الانتخابات النيابية السابقة منذ عام 1992 وتحالفاته (الطوعية او القسرية) فيها تتم على قاعدة ان التمثيل النيابي للمقاومة يؤمن لها الحماية السياسية والدور السياسي الذي تحتاجه داخلياً وخارجياً. إلاّ ان انتخابات الدورة الحالية(2005) كانت بالنسبة الى الحزب، وحتى بالنسبة الى كل "المراقبين" في الداخل والخارج، استفتاء فعلياً على اصل وجود المقاومة واستمرارها، وليس فقط من اجل حمايتها السياسية كما كان يحصل في السابق.  وهكذا نجح حزب الله في "تجميد" ما تبقى من القرار 1559 المتعلق بنزع سلاحه، وان يقول بلسان نائب امينه العام الشيخ نعيم قاسم "ان القرار 1559 اصبح وراءنا" من دون ان يمنع ذلك استمرار الضغوط الاميركية والفرنسية خاصة "للتنفيذ الحرفي" لكل ما تبقى من ذلك القرار.

       فقد ادرك حزب الله ان تجميد القرار 1559 بعد الانتخابات ليس كافياً لأن "إطمئنانه" السابق في مرحلة "الحماية السورية" لما كان يجري في الداخل اللبناني قد انقضى، وبات على الحزب ان "ينتزع" تلك الحماية بنفسه. فأعلن مشاركته الواسعة في الحياة السياسية اللبنانية الداخلية، بدءاً بالمشاركة المباشرة في الحكومة، الى التدخل وإبداء الرأي في التعيينات المختلفة الإدارية والسياسية والامنية. ليس فقط من خلال قوة الحزب وشعبيته، بل على قاعدة "التوافق الشيعي" على تلك التعيينات في " نظام التوزيع الطوائفي" المعمول به في لبنان والذي يشكل فيه الشيعة ثقلاً كبيراً لا يستطيع احد تجاهله. بما في ذلك الولايات المتحدة التي اعتقدت ان اخراج سوريا من لبنان سيؤدي الى اضعاف "حلفائها" الشيعة (امل وحزب الله)، كما عبر عن ذلك ساترفيلد في تصريحه الشهير، في حين رد الشيعة بـ"وحدة الطائفة" وبثقلها الداخلي والانتخابي والشعبي، الذي لا تستطيع الولايات المتحدة ان تؤثر فيه ولا في تداعياته "الديمغرافية" كما سبق وأشرنا. وهذا "الثقل" الذي لا يستطيع احد تجاهله تدعمه "التحالفات السياسية-الانتخابية" التي نسجها حزب الله ، هو الذي سمح له بالإصرار على عودة نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي في مقابل ضغوط اميركية وفرنسية، كانت ترفض تلك العودة بإعتبار الرئيس بري ينتمي ايضاً الى "المرحلة السورية" التي أفلت....ثم الاصرار على تسمية "شيعي" لوزارة الخارجية

       لقد حصلت الانتخابات النيابية في بيئة من التوتر الداخلي ومن الارتباك الناجم عن الضغوط الدولية لإجراء تلك الانتخابات في مواعيدها بعد أقل من شهرين فقط على خروج القوات السورية من لبنان وبقانون العام 2000 الذي ينتقده الجميع، ولا يسمح موعد اجراء الانتخابات بالبحث عن البديل الممكن. كما ساهم في ذلك الارتباك "عودة الحرية" الى التيار العوني والى تيار القوات اللبنانية في الوسط المسيحي، بحيث وجد الجميع نفسه امام فترة وجيزة للاعداد لتلك الانتخابات وامام تحالفات "اضطرارية" ساهم في بعضها "النصائح" الدولية، حرصاً على الانتقال الى " الوحدة الوطنية" التي سيشارك في صناعتها كل القوى التي منعت من ذلك في "الحقبة السورية"  وكان من المفترض بحسب التدخل الدولي في إدارة تلك الانتخابات على مستوى الاشراف او تشكيل بعض اللوائح او التحالفات، ان تفضي الى واقع نيابي جديد يختلف عن الواقع السابق الذي كانت تشكله سوريا وترعاه وكان مؤيداً لها ولسياستها. وكان من المفترض بهذا الواقع الجديد بعد الانسحاب السوري وفي ظل الحضور الدولي (الاميركي-الفرنسي) ان يكون "الاداة السياسية" التي ستطبق ما تبقى من القرار 1559 وتطالب بنزع سلاح المقاومة.  وقد خاب الظن الدولي ولم يتحول المجلس الجديد الى تلك الاداة الدولية. ولم يرتفع صوت احد من النواب الجدد مطالباً بذلك، لا بل تحولت تلك الخيبة الى ما يشبه "القدر" الذي لا يمكن رده عندما ادرجت الحكومة الجديدة ايضاً مثل كل سابقاتها في "الحقبة السورية" في بيانها الوزاري بنداً يؤكد على حماية المقاومة ومشروعيتها "لتحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة" . وهكذا نجحت تحالفات حزب الله وحركة امل السياسية-الانتخابية في التأثير على اتجاه الحكومة السياسي في ما يشبه عودة عقارب الساعة الى الوراء. وتراجعت الدعوات الاميركية التي كانت ملحة، الى نزع سلاح المقاومة....من دون ان يغمد سيف هذا القرار نهائياً.ما دفع البعض الى اعتبار كل نتائج الانتخابات النيابية مخيبة للآمال ومثابة خيانة للرابع عشر من آذار " الجبل الذي ولد فأرا"  راجع: Antoine Sfeir ,Liban Les trahisons du 14 mars, in Revue Etudes de culture contemporaine,Septembre 2005, paris page 153-160))

ومن المعلوم على مستوى آخر ان القرار الدولي 1559 الذي استبق تلك الانتخابات انما ولد ايضا في اطار بيئة اقليمية لا تقل اضطراباً عن الواقع المحلي الذي جرت فيه الانتخابات في لبنان. فالولايات المتحدة تخوض حرباً في العراق بغير قدرة على السيطرة عليها، وتدفع الأثمان المكلفة يومياً من ارواح جنودها ومن ميزانيتها  والاصوات بدأت ترتفع في الداخل الاميركي تتساءل عن جدوى البقاء في العراق، وبعضها يطالب بجدولة للانسحاب وشعبية الرئيس بوش تتراجع ، في حين تريد الولايات المتحدة من سوريا ان "تتعاون" لضبط حدودها مع العراق، ومنع المتسللين "الارهابيين" ولا تحصل بحسب ما يردد المسؤولون في واشنطن على ما يكفي لوقف ذلك التسلل. وكان لافتاً في ذروة "التعثر" الاميركي في العراق الامني والسياسي، الانتقال المفاجيءالى الاهتمام بلبنان واعتباره هدفاً للديمقراطية التي تريد الولايات المتحدة نشرها بواسطة الانتخابات التي ستشرف عليها في كل من فلسطين وافغانستان والعراق.... اي في اطار ما تعتبره واشنطن "الشرق الاوسط الكبير" الذي لا يمكن الوصول اليه بحسب التصور الاميركي الا بعد التخلص من انظمة "محور الشر" ومن "المنظمات الارهابية" مثل حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين والقاعدة(في كل مكان!). وهكذا سيكون الدافع الاميركي الى الاهتمام المباشر والقوي بالانتخابات النيابية في لبنان لتحقيق امرين متلازمين:

1-             انجاز ايجابي(استعادة سيادة لبنان، واخراج القوات السورية ونزع سلاح حزب الله) في مقابل التعثر العراقي.

2-             التقدم بإتجاه "الديمقراطية" (تركيز على حصول الانتخابات لأول مرة بدون وصاية سورية) في اطار "الشرق الاوسط الكبير".

ولكن ما يمكن ملاحظته في الاطار نفسه ان المواجهة الاميركية مع "المنظمات الارهابية" لم تكن مباشرة الا مع تنظيم القاعدة في افغانستان وفي العراق، اما في الأمكنة الاخرى (فلسطين ولبنان) فذهبت استراتيجية المواجهة في الاتجاه غير المباشر على مستويين:

الاول:-      ممارسة الضغوط على الحكومات المحلية (السلطة الفلسطينية، الحكومة اللبنانية) لنزع ذلك السلاح، أي احتمال حرب أهلية داخلية...

الثاني:-      توفير الغطاء الدولي (قرارات مجلس الأمن، وضع تلك المنظمات على لوائح الارهاب، تجفيف مصادرها المالية...) الذي يساعد على نزع ذلك السلاح.

وترافقت تلك الاستراتيجية بمستوياتها كافة مع استمرار الضغوط على أبرز دولتين تدعمان "الارهاب" وترعيانه اي سوريا وايران. الاولى عبر اخراجها من لبنان، وقانون محاسبة سوريا، الى التلويح بعقوبات اضافية وصولاً الى تهديد النظام نفسه. والثانية عبر إحالة ملفها النووي الى مجلس الأمن وما قد يعنيه ذلك من عقوبات تجارية وإقتصادية وسياسية.

   ان الانتخابات النيابية التي جرت في لبنان في صيف 2005 بعد خروج سوريا وفي ظل الإصرار الدولي على إجرائها في موعدها من دون اي تأخير، هي جزء متمم لتلك الصورة الإقليمية التي حاولنا تفصيل مكوناتها، ومهما انشغل البعض بتفاصيل ما جرى في تلك الانتخابات، فإن ما لا يمكن تجاهله انها حصلت في إطار التصورات الدولية(الاميركية) خاصة للشرق الاوسط الكبير (الجديد) الذي يفترض ان يكون منزوعاً من سلاح الإرهاب (ضد الولايات المتحدة والغرب واسرائيل) ومتمتعاً بالديمقراطية ومتصالحاً مع اسرائيل....

       بهذا المعنى كانت الانتخابات التي جرت في لبنان، جزء متمم لهذا المشروع بالنسبة الى البعض في داخل لبنان وخارجه ايضاً. وستبقى المواجهة مفتوحة مع تلك الرؤى المتباينة حول دور لبنان وموقعه ، طالما استمرت المنطقة من العراق الى فلسطين، ومن سوريا الى ايران مفتوحة ايضاً على وتائر التصعيد والتقدم والتراجع التي يحاول كل طرف من اطراف تلك المواجهة تسجيل النقاط فيها ومراكمتها لمصلحته.

No comments:

Post a Comment