Monday, November 23, 2009

حوار الاسلاميين والغرب

تابع كثير من الحكومات الغربية ما يجري منذ سنوات على الساحة الاسلامية من تطورات سياسية وأمنية. وإذا كانت ملاحقة ما يسمى بالارهاب واضحة على مستويات عدة خاصة بعد اعلان الولايات المتحدة منذ 2001 حربا" على هذا الارهاب، الا أن ما يجري بعيدا" عن الانظار يدور حول التطورات التي شهدتها ما يسمى بالحركات الاسلامية المعتدلة. وما يريده الغرب من هذه المتابعة –من خلال الندوات والمؤتمرات التي تشارك فيها هذه الحركات- هو التعرف عن كثب على طبيعة تلك التطورات وما اذا كانت ستؤدي الى الاستقرار والى التفاهم حول المصالح الغربية في المستقبل، خاصة اذا وصلت هذه الحركات الاسلامية الى السلطة باعتبارها قوى المعارضة الرئيسة في بلدانها ذات النصيب الاوفر والاحتمال الاقوى في الوصول الى السلطة اذا ما جرت العملية الديمقراطية بشكلها الطبيعي.

لكن رغبة الدول الغربية في الحوار مع الاسلاميين عادة ما تكون مشروطة .إذ تريد هذه الحكومات التأكد من أن الاسلاميين الذين يعتبرون انفسهم معتدلين وضد العنف ،يقبلون بالديمقراطية وبحقوق الانسان وبالحريات كافة . كما تريد منهم ان يبينوا مواقفهم من طبيعة العلاقة بين الدين والدولة .أي ان الحوار المفترض رغم مشاركة الاسلاميين فيه يخضع للشروط من طرف واحد. إذ لا يملي هؤلاء من جهتهم أي شروط. ولا يطالبون الدول الغربية بأي تفسير او تبرير لسياساتهم. ونظرا" لأهمية مثل هذا الحوار وضرورة تطوره في المستقبل في بناء الثقة بين المسلمين والغرب  لعزل اتجاهات التكفير والعنف والحد من السياسات العدائية الغربية في بلاد المسلمين لا بد من ملاحظة التالي:
1-    ملاحظة التحول المهم الذي عرفته معظم الحركات الاسلامية باتجاه الاعتدال والتكيف مع المؤسسات والنظم القائمة ودعواتها الى الاصلاح من موقع الشريك في الحكم او من موقع المعارضة. وكذلك تزايد رغبة هذه الحركات في العمل السلمي العلني المقبول قانونيا" ودستوريا".ولكن بموازاة هذا التحول هيمن وللأسف على الاهتمام العالمي والمحلي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ملاحقة الارهاب والعنف الذي مارسته حركات اسلامية اخرى. وأصبح هذا الاهتمام أولوية تضررت منها الحركات المعتدلة التي لم تحظ بالاهتمام الكافي، بل وضعها البعض في سلة واحدة من التشكيك والاتهام مع الحركات الاخرى العنيفة.  
2-    يجب الا يخشى المحاور الغربي من غياب النصوص الاسلامية المكتوبة التي تقر بالديمقراطية أو بحقوق الانسان التي يرغب الغرب في جعلها مدخلا" لعلاقات سليمة مع الاسلاميين. بل ينبغي متابعة التطور في سياسات هذه الحركات وممارساتها الفعلية تجاه الديمقراطية او حقوق الانسان في مجتمعاتها.لأن النقاش حول هاتين القضيتين لم يحسم على صعيد المفكرين الاسلاميين، كما ان هاتي القضيتين  بالمقابل ليستا  مرجعية اخلاقية واضحة وثابته يستطيع الغرب الاحتجاج بها على الاسلاميين.فالتباين  واضح في كثير من الحالات في سيسات دول الغرب استنادا" الى مصالحها على حساب الديمقراطية وحقوق الانسان في بلدان العالم المختلفة.
3-   إن تكيف الحركات الاسلامية شديد التأثر بمدى الحريات السياسية في بلدانها.والعكس ايضا" صحيح.أي كلما تزايد القمع والاستبداد ازدادت اتجاهات العنف والانغلاق والتكفير لدى الحركات الاسلامية. (تجربة حزب الله في لبنان،وتجربة الحركة الاسلامية في الاردن ،والحركة الاسلامية والسلفيين في الكويت....) ما يعني ضرورة توسيع مدى هذه الحريات للوصول الى فضاء اوسع من الاعتدال.
4-    مشكلة السياسات الغربية الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، مع حركات اسلامية مثل حماس او حزب الله انها تجعل من مقاومة هذه الحركات  أولوية ومشكلة يجب حلها أولا" ولا تنظر الى كل تحولات التكيف التي شهدتها هاتين الحركتين في السنوات الماضية (الانتخابات ،المشاركة في الحكومات...)
5-    بناء الثقة بين صانعي السيات الغربية وبين الحركات الاسلامية ،وما يسمى الحوار البناء بين الطرفين، لا ينبغي ان يتحول الى ضغوط على الحركات الاسلامية للتخلي عن هويتها وعن كل ما يميزها عن غيرها من الاحزاب غير الاسلامية. لذا لا ينبغي في قضية الحريات الذهاب مباشرة الى أقصى ما يمس الجوانب الدينية الاساسية مثل قضيا الحجاب والمثلية الجنسية وسواها مما يطرح عادة في مقدمة النقاشات مع الاسلاميين لإحراجهم ولتأكيد رفضهم لقضية الحريات 
6-     من يحتاج الى الحوار مع الآخر لحفظ مصالحه ،عليه أن يتفهم هذا الآخر وأن يقبل به أولا" ثم يتحاور معه للوصول الى قناعات مشتركة ومتبادلة.أما منطق فرض القيم كشرط للحوار وللثقة في مستقبل التعاون،كما يفعل الغرب، فلا اعتقد انه منطق سليم.بل على العكس يعزز مخاوف الاسلاميين ويزيد من شكوكهم ويسترجع ذاكرتهم السلبية  من نوايا الغرب تجاه الاسلام والمسلمين.
7-   على صانعي السياسات الغربية في عملية بناء الثقة مع الاسلاميين ان يثبتوا انهم الى جانب هؤلاء عندما يتعرضون للاعتقال التعسفي او المنع من المشاركة السياسية، او الحصول على الترخيص للعمل السياسي العلني ... بدل الانحياز الدائم الى الحكومات غير الديمقراطية وغير الشعبية في الشرق الاوسط. (وهذه مشكلة صعبة ومعقدة في التعارض بين نظام المصالح والألتزام بالمبادئ..
 إن ملاحظة كل هذه التحولات لدى الحركات الاسلامية وفي السياسات الغربية يمكن ان يساهم الى حد كبير في ايصال الحوار الذي يحرص عليه الطرفان الى الغايات المنشودة والمفيدة من اجل علاقات سليمة بين الطرفين ومن اجل بناء الثقة التي لا تزال مفقودة الى اليوم...

No comments:

Post a Comment