Sunday, November 1, 2009

أنشأت وزارة الخارجية الالمانية بعد الحادي عشر من ايلول وحدة الحوار مع العالم الاسلامياي بعد " صدمة " الغرب من الاعتدءات التي حصلت في واشنطن ونيويورك،  والتي جعلته يعتقد بأن ما يجري في قلب ذلك العالم غير معروف تماما" بالنسبة اليه،ما يجعل التهديد أكثر مدعاة للقلق لأن الانسان كما يقال عدو ما يجهل،ولأن هذا المجهول الذي تبنى تلك الاعتداءات لا يزال يطلق التهديدات نفسها وينفذ بعضها ضد أهداف أوروبية مختلفة


في هذا الاطار من الاهتمام الممزوج بالرغبة في الانفتاح و بالقلق من التهديد المحتمل  قامت تلك الوحدة في وزارة الخارجية الالمانية  ومن خلال مؤسسة IFA  المتخصصة بشؤون الحوار والتفاهم مع العالم وتحت شعار "من أجل تفاهم متبادل" بالدعوة الى   مؤتمر "الحوار الثقافي الأوروبي –الاسلامي" الذي عقد قريبا" من العاصمة برلين على الحدود البولونية بين 27و30 من شهر تشرين الأول عام 2002 

طبعا" لا يعني انعقاد هذا المؤتمر انها المرة الاولى التي تظهر فيها المانيا اهتماما" بالحوارمع العالم الاسلامي ، أو رغبة في معرفة ما يجري فيه  فمنذ اتسع النقاش حول صدام الحضارات في منتصف التسعينيات ومنذ أن طرحت فكرة الحوار بديلا" لها، والمانيا تعقد الندوات والمؤتمرات مع البلدان الاسلامية 0 والمواقع على الانترنت مليئة باسماء هذه المؤتمرات واسماء المشاركين فيها من الدول الاوروبية ومن هذا البلد الاسلامي أو ذاك كما أن المانيا مثل دول أوروبا الأخرى لها مؤسسات ومراكز ثقافية كثيرة تنشط في العالم الاسلامي منذ سنوات طويلة (نحو 170 مؤسسة)، ولهذه المراكز مطبوعات ودوريات ثقافية وأدبية باللغتين الالمانية والعربية وسواها من اللغات في العالم الاسلامي كما تنشط أيضا" مؤسسات أخرى مدنية ليس لها طابع رسمي، مثل فريدريش إيبرت ، وكونراد اديناور،على سبيل المثال، وتقوم بدورها بعقد الندوات والمؤتمرات ، كما تمول عقد الندوات حول الديمقراطية وأوضاع المرأة وحقوق الطفل وحرية الانتخابات وحول حوار الشرق والغرب وسوى ذلك.

  لقد ضم هذا اللقاء نحو عشرين مشاركا" من العالم الاسلامي من قطاعات اجتماعية مختلفة0 بينهم الاديب والاعلامي والروائي والاكاديمي والباحث والمخرج والناشط في مجال حقوق الانسان ،يقابلهم من الجانب الالماني نحوعشرين آخرين معظمهم من المتخصصين في شؤون الاسلام والشرق الأوسط والعلوم السياسية  ومن المحاضرين في الجامعات الالمانية ، الى كتّاب وناشرين وإعلاميين، بالاضافة الى فريق عمل قسم الحوار مع العالم الاسلامي في وزارة الخارجية وكان من الطبيعي 

في ظل الرعاية الالمانية أن تتسم أعمال المؤتمربالتنظيم الشديد في دقة مواعيد عمل  الجلسات وانعقادها لكن اللافت أن الجانب الالماني كان أكثر استماعا" منه حديثا"، وكأن المقصود هو التعرف على افكار أولئك القادمين من مواقع اجتماعية وسياسية واكاديمية مختلفة من العالم الاسلامي  وعلى مواقفهم من الغرب ولهذا حرص منظمو المؤتمر على معرفة كيف ينظر المشاركون  الى القضيتين التاليتين :

-         ما هي تصوراتهم عن معوقات الحوار مع الغرب؟

-         ما هي السبل التي تجعل هذا الحوار حوارا" بناءا" ؟

وقد سجل بعض المشاركين منذ البداية تحفظا" حول التسمية التي اطلقت على المؤتمر فقال بأن الحوار أولا" ليس أوروبيا"، لأن المشاركين من هذا الطرف هم ألمان فقط وليس بينهم أي مدعو من دول أوروبية أخرى وثانيا" إن الحوار لا يمكن ان يكون بين اوروبا والاسلام ، بل بين أوروبا  والعالم الاسلامي  كما تحفظ آخرون عن مدى تمثيل " الطرف الاسلامي" لبلدانه التي اتى منها في مقابل الطرف الألماني الذي كان يبدو كفريق عمل واحد  وخصوصا" أن  المشاركين "المسلمين لم يعرفوا بعضهم مسبقا" ، فمنهم من قدم نفسه في أثناء المؤتمر مسلما" علمانيا"، ومنهم من ادان حركات الاسلام السياسي ، ومنهم من لم يكن معنيا" اصلا" بملف الحوار الاسلامي مع الغرب

التصورات التي قدمها الطرف المسلم عن الغرب تلخصت في مجموعة من النقاط المشتركة التي تنتقد سياسة الغرب (أوروبا) تجاه العالم الاسلامي ومن أبرز تلك النقاط:

-         عدم التعامل بعدالة وانصاف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية

-         التعامل بازدواجية في موضوع حقوق الانسان

-         سياسة الكيل بمكيالين من خلال دعم حكومات فاسدة واستبدادية والدعوة في الوقت نفسه الى قيم الحرية والديمقراطية أضف الى ذلك أن مشاريع دعم الديمقراطية في البلدان الاسلامية  التي تقوم بها مؤسسات أوروبية مختلفة تحولت الى مجموعات ضيقة من المستفيدين المتحلقين حولها والمعزولين عن مجتمعاتهم
-          اعتبار الخطر الذي تمثله جماعات اسلامية محددة خطرا" اسلاميا" شاملا"

واعتبار أوروبا الاسلام العدو الأول انسجاما" مع الرؤية الأميركية نفسها

-         ان اوروبا لا تنظر الى الآخر كمساو بسبب الهيمنة والاستعمار الجديد، والفوقية والوصاية

-          الاعلام الغربي والكتب المدرسية الغربية تقدم صورة سلبية عن الاسلام والمسلمين

-         التمييز ضد المسلمين في اوروبا واعتبارهم تهديدا"

-         انحياز الغرب الى قضايا عرقية أو اثنية أو سياسية محددة

ومن الواضح أن هذه النقاط تكاد تغطي معظم ما يشتكى منه في العالم الاسلامي، وخصوصا" في منطقته العربية، من سياسة الغرب خصوصا" في السنوات الأخيرة  ولهذا وجد البعض نفسه يدعو أوروبا الى "أن تقنعنا مرة أخرى بمبادئها"، والى "أن تحدد أهداف الحوار بشكل واضح حتى لا يفسر بأنه لا يهدف سوى لمصالح خاصة أو بأنه تدخل ثقافي أو اجتماعي من جانب واحد كما تلخص هذه النقاط ما اعتبره المشاركون المسلمون "معوقات الحوار مع الغرب"
أما ماذا يقترح كل مشارك من موقعه، بحسب الطلب الالماني، لتحسين شروط هذا الحوار المفترض ، فإن الاجابة "الاسلامية" كانت على الشكل التالي:

-         أن يتم التفريق بين صداقة المانيا لاسرائيل وبين علاقتها مع العالم الاسلامي

-         أن يتم الفصل بين ماهو ارهابي وبين ما هو اسلامي

-         أن يتمايز الموقف الاوروبي عن الموقف الاميركي

-         تعزيز الحوار مع التيارات الدينية في المجتمعات الاسلامية وعدم اقتصار هذا الحوار على نخب معينة قد تكون في احيان كثيرة معادية لتلك التيارات

-         إقامة المعارض الفنية والثقافية والسينمائية المتبادلة، وإعداد برامج تلفزيونية عن الاسلام ، وتبادل الطلاب والباحثين ومواضيع البحث ، وإنشاء شبكات من التواصل الرسمي وغير الرسمي

-          تجسير الفجوة الاقتصادية بين العالمين الغربي والاسلامي

لم تكن هذه النقاط موضع خلاف بين المشاركين "المسلمين” ، الذين جاؤوا من بلدان مختلفة ومن تجارب ومواقع  وخلفيات متفاوتة ومتباينة أما القضية التي أثارت جدلا" بينهم فهي دعوة بعضهم أوروبا الى  "تعزيز التحول الديمقراطي في البلدان الاسلامية وربط المساعدات التنموية بهذا التحول" أو كما دعا آ خرون الى الضغط على الحكومات الاسلامية، (لأن هذه الأخيرة تتأثر بما يقوله لها الموفدون الغربيون ) من أجل  اتاحة الفرص أمام المشاركة السياسية للقوى المعتدلة والليبرالية في البلدان الاسلامية في حين رد آخرون برفض هذا النوع  من الدعوات الذي يمكن، أن يحول العلاقة مع أوروبا الى علاقة تدخل بدلا" من علاقة التفهم ،أو الحوار، في الوقت الذي يتوافق فيه الجميع على انتقاد معايير الغرب المزدوجة في القضايا السياسية وحقوق الانسان والديمقراطية
لقد حرص المنظمون الالمان على الاستماع الى خطط عملية من أجل تحسين شروط الحوار وفرصه ما أدى الى طرح عشرات الأفكار من جميع المشاركين وفي جميع المجالات، من النشرات الثقافية ، الى الأفلام السينمائية ، والمنح الطلابية ،  وتبادل الباحثين،والمعارض المختلفة، بحيث يعتقدمن يستمع الى تلك الاقتراحات بأن أوروبا والعالم الاسلامي يكتشفان بعضهما ويتعرفان على بعضهما لأول مرة أو كأننا عشية القرن التاسع عشر في بداية "صدمة " المسلمين مع الغرب أو كأن هذا الغرب لا يعرف العالم الاسلامي وما يجري فيه أو كأنه لم يكن هناك حوار عربي أوروبي في مطلع السبعينيات ، أو شراكة 

أوروبية –متوسطية منذ عام 1995 وما يعنيه ذلك كله من ضرورة التعرف على الاسباب التي أدت الى توقف الحوار العربي الأوروبي، والى العقبات التي تعترض مسيرة الشراكة  وكذلك التعرف على التجارب الثقافية الأوروبية في البلدان الاسلامية لاستخلاص دروس النجاح والفشل من تلك التجارب كلها  قبل

بداية حوار جديد ، أو قبل العودة  بالأفكار والمقترحات الى بداية القرن التاسع عشر
المهم أن الجانب الألماني كان حريصا" على الاستماع كما ينوي استنادا" الى ورقة عمل المؤتمر الاستمرار في هذا النوع من الحوار في السنوات المقبلة وفي بلدان اسلامية مختلفة وهذا يعكس من حيث المبدأ تفاؤلا" بامكانية تلافي عثرات ما جرى في هذا اللقاء الأول وتطويره في المستقبل وخصوصا" أن بعض الأفكار قد طرحت في هذا المجال مثل تشكيل مجموعات عمل متخصصة من البلدان الاسلامية ومن أوروبا في قضية من القضايا المطروحة مثل حقوق الانسان أو صورة الآخر في الكتب المدرسية ، أو في وسائل الاعلام على أن تلتقي لاحقا" هذه المجموعات في مؤتمر موحد لتبادل ما توصلت اليه ولوضع الأسس المستقبلية لتطوير هذا الحوارإلا أن هذا الأمر مشروط بالدرجة الأولى بالرغبة الألمانية (الأوروبية) بذلك فإذا لم تكن ثمة رغبة حقيقية في مثل هذا الحوار من أجل التعرف عن كثب على المجتمعات الاسلامية وتنوعها  والاعتراف بعاداتها وثقافتها فإن أمر الحوار لن يستقيم وعلى الرغم  من ادراكنا  لمبررات ما نجم عن الحادي عشر من ايلول من مخاوف أمنية لدى الجانب الأوروبي فإن تلك المخاوف والاجراءات لا ينبغي لها أن تجعل كل ما هو اسلامي موضع اتهام وتشكيك ، أو موضع اجراءات تعسفية ، أو اضطهاد، مثلما يحصل اليوم لأن مثل ذلك لن يكون إلا  في مصلحة الطرف الذي يريد التصادم من الجانبين
ومن أجل إنجاح التجربة الألمانية في الحوار والتي يمكن أن تتكامل مع تجارب أوروبية اخرى ،  ينبغي أن تكون اهداف هذا الحوارشديدة الوضوح الى أقصى حد ممكن حتى لو اقتصر أمر الحوار على قضية واحدة فقط بحيث لا يتوهمن أحد على سبيل المثال  بأن الهدف هو مجرد صرف النظر عن الاهتمام الأمني بالمجتمعات الاسلامية

فهل تريد المانيا ومن خلفها الغرب الأوروبي ، أن تعرف مدى جدية الخطرالاسلامي القادم اليها من الخارج ؟ أو أنها تريد في الوقت نفسه أن تتجنب الخطر الاسلامي القادم اليها من الداخل ؟  

أم أن اوروبا قلقة من صورتها السلبية في العالم الاسلامي وتريد أن تعمل لتغيير هذه الصورة؟

وهل تريد أوروبا تنمية ما يسمى بخط الاعتدال في العالم الاسلامي، أم تمدين هذا العالم  بقيم الديمقراطية ، وحقوق المرأة وسوى ذلك مما تنشط من أجله الكثير من المؤسسات الأوروبية في البلدان الاسلامية ، بحيث يؤدي هذا التمدين المفترض الى تعطيل نزعة العنف ومعها نزعة العداء للغرب في تلك البلدان؟

أم أن اوروبا تريد من الحوار الاستفادة من الغضب الاسلامي المتنامي ضد الولايات المتحدة  لمصلحة تعزيز علاقاتها مع هذا العالم ونفوذها فيه ؟ علما" بأن الفرصة مؤاتية لمثل ذلك ، لأن العداء الذي يتهم به المسلمون ضد الغرب ليس سوى عداء" للسياسة الأميركية فقط  وليس عداء" للغرب على الاطلاق، على الرغم من تهديدات "القاعدة" وعملياتها "الغريبة" والمشبوهة ضد المصالح الفرنسية أو الأوروبية فالأبواب الاسلامية مفتوحة في هذه المرحلة أمام أوروبا من دون عراقيل،  لكنها هي التي تتردد وتخشى التقدم وتحسب الف حساب للضغوط الاميركية وللمصالح الاميركية
إن الأهداف السابقة هي اهداف مشروعة من زاوية النظر الأوروبية أو الألمانية، ويمكن  الحوار و الاختلاف بشأنها وكل واحد منها يستحق أن يكون موضوعا" لمؤتمر ولكن الحوار الذي يمكن أن يثمر ويؤدي الى التقدم في علاقات انسانية وثقافية مثلما هو في علاقات المصالح أيضا" يحتاج أولا" الى قبول الآخر كما هو وليس كما نريد أن يكون وهو يحتاج ايضا" الى المصارحة وليس الى المجاملة، كما يحتاج قبل كل شيء الى الاقتناع الجاد والثابت بأن هذا الحوار يمكن أن يؤدي على الرغم من كل تعقيداته وصعوباته وشبكاته المتعددة الى علاقة إنسانية أفضل بين الطرفين وإذا لم تتوفر مثل هذه القناعة فإن كل الحوارات ستكون زبدا" وسيبقى كل واحد خلف اسواره وتصوراته وكما قال أحد المشاركين الألمان "علينا استغلال الفرصة لأن الوقت يمر بسرعة ، وستصبح الأمور أكثر صعوبة وربما استحالة"

لا شك أن الوقت يمر بسرعة  وربما تشهد منطقتنا حروبا" هي التي ستجعل الأمور أكثر صعوبة"لكن ذلك لن يمنع أهمية الحوار واستمراره ، وعلى أوروبا ألا تتخلى عن زمام المبادرة في المرحلة المقبلة

No comments:

Post a Comment